ما بين عامي 1949 و1961، فرّ ما لا يقل عن 3 ملايين شخص من سكان ألمانيا الشرقية نحو الجارة الغربية عبر برلين المقسمة.
وأمام تواصل نزيف هذه الهجرة التي جرّدت ألمانيا الشرقية من نسبة هامة من اليد العاملة والكفاءات، اتجهت سلطات جمهورية ألمانيا الديمقراطية، بدعم من الاتحاد السوفيتي، للفصل بين القسمين الشرقي والغربي من برلين عن طريق تشييد جدار من الخرسانة والأسلاك الشائكة امتد لمسافة قدرت بعشرات الأميال.
وعلى الرغم من ظهور هذا الجدار الذي قسّم برلين لنصفين، لم يتردد العديد من الألمان الشرقيين في المخاطرة بحياتهم عن طريق مواصلة محاولات الفرار نحو القسم الغربي متحدين بذلك حراس الحدود الشرقيين الذين حاولوا منعهم عن طريق استهدافهم بوابل من الرصاص.
ومن ضمن محاولات الهروب الشهيرة، يذكر التاريخ حادثة الجندي كونراد شومان (Conrad Schumann) الذي ركض مسرعا عام 1961 نحو القسم الغربي من برلين أمام عدسات الكاميرا التي خلدت هذه الواقعة.
التحاقه بسلك الأمن
ولد هذا الجندي الذي تحول إلى ما يشبه الأيقونة في 28 آذار/مارس 1942 بقرية تشوتشاو (Zschochau) بإقليم ساكسونيا الألماني. وأثناء فترة صباه، كان شاهدا على نهاية الحرب العالمية الثانية وانقسام وطنه وبداية الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي.
ليلتحق مع بلوغه الثامنة عشرة، بوحدات إنذار شرطة الشعب. ومع نجاحه في إنهاء تدريباته الأساسية بدرسدن (Dresden)، أرسل الأخير نحو بوتسدام (Potsdam) قبل أن ينقل فيما بعد نحو برلين حيث كلف، رفقة زملائه بحراسة عدد من المواقع قرب جدار برلين الذي كان قيد الإنشاء.
وفي مذكراته، نقل كونراد وقائع حادثة أثرت كثيرا عليه حيث حرمت طفلة صغيرة جاءت لتقضي عطلتها الصيفية في منزل جدتها بالجزء الشرقي لبرلين من العودة لمنزل والديها الذي كان موجودا بالنصف الغربي للمدينة وقد جاء حرمان هذه الفتاة من لقاء والديها بسبب بداية أشغال بناء جدار برلين وسياسة الفصل بين نصفي المدينة.
هروب وانتحار
يوم 15 آب/أغسطس 1961، كان شومان عند نقطة حراسة ما بين شارعي روبينير (Ruppiner) وبرناور (Bernauer). ومع مرورهم بالجانب المقابل من برلين، نظر سكان برلين الغربية لكونراد شومان ودعوه لعبور الأسلاك الشائكة مستخدمين عبارات "تعال إلى هنا".
في الأثناء، حلت سيارة شرطة تابعة لقوات ألمانيا الغربية على مقربة من المكان ودعا طاقمها الجندي كونراد شومان للهروب من برلين الشرقية واجتياز الأسلاك الشائكة والدخول للسيارة واعدينه بنقله لمكان آمن.
خلال اللحظات التالية، صوّر الصحفي والمصور الألماني، الذي كان متواجدا ببرلين الغربية، بيتر ليبينغ (Peter Leibing) وقائع أشهر حادثة هروب بتاريخ برلين الشرقية.
فعلى حين غفلة، ألقى كونراد سلاحه سوفيتي الصنع أرضا واتجه راكضا نحو المنطقة الحدودية قبل أن يقفز فوق الأسلاك الشائكة ليجد نفسه ببرلين الغربية.
بالفترة التالية، تحولت صور هروب كونراد شومان لواحدة من أشهر وأهم صور الحرب الباردة حيث تناقلت وسائل الإعلام الغربية هذه الصور التي سرعان ما جابت مناطق عديدة من العالم مثيرة غضب المسؤولين السوفيت وحلفائهم بألمانيا الشرقية.
في الأثناء، اتجه كونراد شومان للعيش ببافاريا حيث تزوج عام 1962 واستقر بمدينة غونزبرغ (Günzburg). من ناحية أخرى، استنكر زملاء وأصدقاء كونراد هروبه واتجهوا لوصفه بالخائن. وبسبب ذلك، عاش الأخير على وقع أزمة نفسية رافقته لبقية حياته. ومع سقوط جدار برلين، تردد كونراد في العودة لمسقط رأسه خوفا من اتهامه بالخيانة.
مع تزايد حدة أزمته النفسية، أقدم كونراد شومان يوم 20 حزيران/يونيو 1998 على وضع حدا لحياته عن طريق شنق نفسه ببستانه.