أواخر القرن التاسع عشر، شهدت الصين إحدى أسوأ فتراتها في خضم عهد سلالة تشينغ. فعقب حروب الأفيون وتوالي التدخلات الأجنبية، تحولت الصين مع بداية القرن العشرين لشبه مستعمرة لدى كل من القوى الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية واليابان.
ومع فشلها في إظهار أية مقاومة للتدخلات الخارجية، اتجهت النخبة السياسية بالصين للحفاظ على سلطتها واستغلال الوضع لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح.
في الأثناء، أسفرت هذه الوضعية عن زيادة معاناة الشعب الصيني الذي اضطر لتحمل ويلات الفقر والجوع. ومع تزايد حالة الغضب والاحتقان، شهدت الصين ظهور ميليشيا أخذت على عاتقها مهمة محاربة التدخل الأجنبي وعرف أفرادها بالملاكمين بسبب إتقان كثير منهم للفنون القتالية.
تدخل أجنبي ضد الصين
وفي خضم ثورة الملاكمين التي اندلعت عام 1899، اتجه الثوار لمهاجمة الأجانب والصينيين المسيحيين بالبلاد حيث اتهم هؤلاء بتجويع الشعب الصيني ونهب ثروات البلاد والإضرار بقيم المجتمع الصيني التقليدي. وقد امتدت هجمات ميليشيات الملاكمين لتطال المبشرين المسيحيين حيث أكدت مصادر تلك الفترة على تعرض المبشرين الأرثوذكس وعرقية البازينيين، ذوي الأصول الروسية، لإبادة أسفرت عن مقتل أعداد كبيرة منهم.
وفي البداية، فشل نظام الإمبراطورة الصينية تشيسي (Cixi) في قمع التمرد وواجه صعوبات في الحفاظ على مواقعه. ومع بداية تدخل عسكري أجنبي ضد الصين بمشاركة كل من بريطانيا وفرنسا واليابان وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية والنمسا وإيطاليا، أعلنت الإمبراطورة تشيسي دعمها لثورة الملاكمين وساندتهم لمقاومة الجيوش الأجنبية.
وخلال العام 1900، عمد الثوار الصينيون لمهاجمة خط سكة الحديد الصيني بالشرق، المملوك للإمبراطورية الروسية، الذي عبر أجزاء كبيرة من منشوريا كما لجؤوا أيضا لفرض حصار على حي الأجانب، الذي ضمّ دبلوماسيين أجانب وعائلاتهم، ببكين.
سقوط بكين وهزيمة الصين
وعلى الرغم من تفوقهم العددي، لم تتمكن قوات سلالة تشينغ والملاكمين من تحقيق النصر. ففي بكين، تواجد ما يزيد عن 30 ألف صيني للدفاع عنها. وفي المقابل، تكونت قوات الحلفاء من 9 آلاف ياباني و5 آلاف روسي وألفي أميركي ونحو 800 فرنسي التحق بهم ما يزيد عن 3 آلاف جندي هندي جيء بهم من المستعمرة الهندية ليقاتلوا لصالح التاج البريطاني.
وليلة 14 آب/أغسطس 1900، كان الروس بقيادة الجنرال ياروسلاف غوركي (Yaroslav Gorsky) أول من تدخل ضد بكين حيث هاجم الجنود الروس بوابة دونغبيانمان (Dongbianmen) عقب قصفها بالمدفعية وتمكنوا من تجاوزها رافعين علم الإمبراطورية الروسية.
وبحلول الصباح، باشر بقية الحلفاء هجومهم. وبينما اشتبك اليابانيون مع الصينيين بشكل عنيف واستعانوا بالمدفعية الروسية عند بوابة كيهوامين (Qihuamen)، دخل الفرنسيون والبريطانيون بكين دون مقاومة تذكر.
عقب نجاحهم في رفع الحصار عن حي الدبلوماسيين الأجانب، تمكنت قوات التحالف من دخول المدينة المحرمة بعد قصفها من قبل المدفعية الأميركية ليجدوها فارغة على إثر رحيل الإمبراطورة تشيسي. ومع انتشارهم ببكين، ارتكب جنود التحالف العديد من الفظائع فلجؤوا لنهب المحلات وأعدموا عددا كبيرا من المدنيين. ومع نهاية الحرب، تقاذف الحلفاء التهم حول المسؤولية عن المذابح التي شهدتها العاصمة الصينية حينها.
خلال شهر أيلول/سبتمبر 1901، وضع الحلفاء حدا لثورة الملاكمين. وبالتزامن مع ذلك، أجبرت الصين على قبول معاهدة استسلام مذلة وافقت من خلالها على تقديم تنازلات ومبالغ مالية طائلة للمنتصرين.