عقب جملة من الخلافات مع نظيره الروسي ألكسندر الأول (Alexander I)، أعلن نابليون بونابرت خلال شهر يونيو 1812 بداية حملته العسكرية على الإمبراطورية الروسية حيث انطلق الأخير رفقة نحو 600 ألف جندي فرنسي باتجاه موسكو أملا في انتزاع مزيد من الأراضي شرقا وإجبار الإمبراطور الروسي على طلب السلم وقبول شروط الفرنسيين.
ومنذ دخوله للأراضي الروسية، حاول نابليون بونابرت خوض غمار معركة حاسمة ضد الروس الذين فضّلوا تجنّب الفرنسيين والتراجع لداخل البلاد وممارسة سياسة الأرض المحروقة عن طريق تخريب كل ما يمكن أن يستغله الفرنسيون أثناء تقدمهم. إلى ذلك، احتاج نابليون بونابرت أثناء حملته لمواجهة مباشرة مع الروس حيث آمن الأخير حينها بإمكانية تركيع الإمبراطور الروسي وإجباره على قبول شروط الفرنسيين في حال تلقيه لهزيمة قاسية قد تودي بحياة مئات الآلاف من جنوده.
من الجانب الروسي، احتار القيصر ألكسندر الأول حول الاستراتيجية التي يجب اتباعها لمواجهة نابليون بونابرت. ومع تزايد الخلافات بين جنرالاته، عيّن ألكسندر الأول المارشال ميخائيل إيلاريونوفيتش كوتوزوف (Mikhail Illarionovich Kutuzov) قائدا للجيش.
ومع تزايد الضغوطات عليه بسبب سماحه للفرنسيين بالتقدم داخل الأراضي الروسية، وافق المارشال كوتوزوف، خلال شهر أيلول/سبتمبر 1812، على منح نابليون بونابرت المعركة التي انتظرها بفارغ الصبر حيث جمّع القائد العسكري الروسي قواته عند ضفاف نهر موسكفا (Moskova) على مقربة من قرية بورودينو (Borodino) التي كانت تبعد حوالي 130 كلم عن موسكو.
استعداد الروس
وأثناء تقدمه داخل الأراضي الروسية طيلة الأسابيع السابقة، خسر نابليون بونابرت مئات الآلاف من جنوده بسبب الأوبئة والأمراض، في مقدمتها مرض التيفود، ليجد نفسه قبيل معركة بورودينو رفقة ثلث القوات التي رافقته مطلع عملية الغزو والمقدر عددها بحوالي 600 ألف عسكري.
وبالجهة المقابلة، امتلك الروس أكثر من 100 ألف عسكري توزّعوا على حوالي 5 كيلومترات على امتداد طريقين رئيسيين ربطا بين بورودينو وضواحيها ومدينة موسكو. وعلى مقربة من بورودينو، ركّز الروس عددا من مدافعهم على المرتفعات استعدادا لاستقبال القوات الفرنسية عند اقترابها من المكان.
انسحاب الروس من المعركة
في حدود الساعة السادسة والنصف صباحا يوم 7 أيلول/سبتمبر 1812، فتحت المدفعية الفرنسية نيرانها تجاه القوات الروسية تزامنا مع قيام الأمير الفرنسي يوجين دي بوهارني (Eugène de Beauharnais) بدخول قرية بورودينو. إضافة لذلك، قاد المارشال لويس نيقولا دافو (Louis-Nicolas Davout)، الذي تعرّض لإصابة بسبب سقوط قذيفة على حصانه، هجوما ساهم في صد الروس وأجبرهم على التراجع كما لعب المارشال، وقائد فرقة الفرسان، ميشال نيي (Michel Ney) دورا هاما في إبعاد جانب هام من القوات الروسية على ضفاف نهر موسكفا مجبرا إياها على التقهقر مع ارتفاع خسائرها البشرية.
وفي خضم المعركة، تمكّن الفرنسيون من السيطرة على مناطق الروس المحصّنة كما وجّهوا ضربة قاسمة للقوات الروسية عقب إصابة الجنرال بيوتر إيفانوفيتش باغراسيون (Piotr Ivanovitch Bagration) الذي فارق الحياة خلال الأيام التالية بسبب إصابته بتعفن وتعكّر حالته الصحية.
وعلى الرغم من تقدّمه بالمعركة، ارتكب نابليون بونابرت خطأ فادحا حيث رفض الإمبراطور الفرنسي توسلات جنرالاته بإقحام الحرس الإمبراطوري بالمعركة لتوجيه ضربة قاضية للروس. وقد فضّل بونابرت إبقاء الحرس الإمبراطوري خارج المعركة استعدادا لمهاجمة موسكو بالأيام القادمة.
وبسبب هذا القرار، استغل الجنود الروس عتمة الليل وتوقّف المعارك لينسحبوا من أرض المعركة تاركين جرحاهم على الميدان.
انتصار بطعم الهزيمة
وبينما تحدّث الروس عن نصر تكتيكي وخسائر جسيمة بالجيش الفرنسي، أعلن نابليون بونابرت انتصاره بمعركة بورودينو مؤكدا أن الطريق باتت مفتوحة لدخول موسكو وإذلال القيصر ألكسندر الأول.
إلى ذلك، شهدت معركة بورودينو خسائر كبيرة لدى كلا الطرفين حيث خسر الفرنسيون 28 ألف جندي، كان من ضمنهم 47 جنرالا، بينما بلغت الخسائر الروسية 45 ألف عسكري. لاحقا، كرّم ألكسندر الأول الروس الناجين من معركة بورودينو فمنح كوتوزوف رتبة مارشال وقدّم لكل جندي عاد سالما 5 روبلات.