قبل اندلاع جائحة كورونا، كانت المعركة ضد شلل الأطفال في آخر مراحلها، وبالتالي أثّر الوباء على الجهود للقضاء على شلل الأطفال، لكن في الوقت نفسه، ساعدت البنى التحتية الخاصة بشلل الأطفال في مكافحة كوفيد-19.
وفي الحلقة رقم #62 من الخدمة المتلفزة التي تقدمها منظمة الصحة العالمية عبر منصاتها الرسمية، شرحت الدكتورة سونا باري، منسق العلاقات الخارجية بمنظمة الصحة العالمية لاستئصال شلل الأطفال، كيفية تأثير الوباء على مكافحة منظمة الصحة العالمية لمرض شلل الأطفال.
شلل مدى الحياة
قالت الدكتورة باري: "لا يتذكر معظمنا شلل الأطفال، ولكن منذ جيل واحد فقط، كان يتعرض أكثر من ألف طفل بالشلل بسبب شلل الأطفال يوميًا في جميع أنحاء العالم. كان الآباء يرسلون أطفالهم إلى المدرسة في الصباح، وبحلول فترة ما بعد الظهر كان فيروس شلل الأطفال يصيبهم بالشلل مدى الحياة. لم يكن هناك علاج، ولكن بعد ذلك تم تطوير لقاح آمن وفعال وقررت دول العالم أنه سيتم القضاء على شلل الأطفال من خلال التأكد من وصول اللقاح إلى كل طفل في كل بقعة على الأرض".
99.9% من الأهداف
وأشارت الدكتورة باري أنه تم إنجاز 99.9% من الأهداف، حيث لم يصب بالشلل هذا العام، سوى طفلين بسبب فيروس شلل الأطفال البري، موضحة أنه في عام 2020، مثل بقية الأنشطة والحملات في العالم، تأثر التحصين بسبب اندلاع جائحة كورونا، حيث لم يتمكن الآباء من إحضار أطفالهم إلى المرافق الصحية للتحصين ولم يتمكن العاملون في مجال التوعية من زيارة المنازل لتطعيم الأطفال.
فجوة المناعة
وأردفت الدكتورة باري قائلة إنه نتيجة للتوقف المؤقت لحملات التحصين، لم يمكن تطعيم الأطفال، الذين كان يتحتم تطعيمهم في هذا الوقت، وبالتالي حدث ما يمكن تسميته "فجوة المناعة"، ولكن سرعان ما تم اتخاذ التدابير اللازمة في أواخر عام 2020، للتأكد من أنه يمكن مواصلة حملات التحصين ضد شلل الأطفال بدون أن يتسبب ذلك في نشر عدوى كوفيد-19 بين الطواقم الطبية أو أسر الأطفال. وأضافت أنه يجري حاليًا العمل على سد فجوة المناعة ضد شلل الأطفال، ولم يتبق سوى دولتين لا يزالان يعانيان من شلل الأطفال المتوطن هما أفغانستان وباكستان.
بنية تحتية فعالة للغاية
وقالت الدكتورة باري إنه من المثير للاهتمام، أنه عندما قررت منظمة روتاري إنترناشيونال للخدمة الخيرية التطوعية العالمية، إطلاق حملة القضاء على شلل الأطفال، أطلقوا عليه اسم PolioPlus والإضافة تعني أن الأشخاص الذين يعملون على القضاء على شلل الأطفال في البلدان الموبوءة وفي البلدان المعرضة لخطر الإصابة بعدوى شلل الأطفال مجددًا، كانوا يقومون دائمًا بإجراءات تتجاوز استئصال شلل الأطفال، حيث كانوا يقومون بتوثيق أوزان الأطفال حديثي الولادة، وتقديم المشورة بشأن المسائل الطبية الأخرى ومراقبة ما إذا كان الأطفال يعانون من أعراض أي مرض آخر.
وعندما اندلع وباء كوفيد-19، بدأت الفرق الطبية المعنية بمكافحة شلل الأطفال في العمل أيضًا على مراقبة ظهور حالات إصابة بين الأطفال وتتبع المخالطين لهم وتثقيف المجتمعات بأهمية التباعد الجسدي وكيفية اتخاذ تدابير النظافة، علاوة على أن شبكة معامل التحاليل التابعة لمنظمة الصحة العالمية والهيئات الإقليمية والمحلية تقوم باختبار العينات، كجزء من الدعم الذي يمكن للبنية التحتية الفريدة لاستئصال شلل الأطفال أن تقدمه وتساهم به في جهود مكافحة كوفيد-19.
وشرحت الدكتورة باري أن أهمية الدور الذي تم توظيف البنى التحتية لمكافحة شلل الأطفال في المعركة ضد فيروس كورونا ترجع إلى أنها تم إنشائها بالأساس لتصل إلى وتخدم أولئك، الذين لا تصلهم الخدمات الصحية بسهولة، أي أنها تتواجد في المجتمعات، التي تعيش في المناطق النائية أو الفقيرة.
لذا، إذا صح التعبير، فإنها تعد في وضع فريد يسمح بتقديم المساعدة إلى الحلقة الأضعف حيث يمكن أن يختبئ مرض كوفيد-19 وشلل الأطفال، ومن ثم فإن الجهود لاستئصال مرض شلل الأطفال أصبحت مفيدة بشكل مضاعف، أي أن منظمة الصحة العالمية لا تقوم بحملات محو شلل الأطفال فحسب، بل تساعد أيضًا في تقوية الأنظمة الصحية حيث تكون في أضعف حالاتها إلى المجتمعات الأكثر ضعفًا، ويتمثل ذلك في قيام العاملين في القضاء على شلل الأطفال بالمساعدة في جهود التطعيم ضد كوفيد-19 في العديد من البلدان.
وعد لكل الأجيال القادمة
وقالت الدكتورة باري إنه عندما يتم الشروع في محو مرض ما تمامًا من الكرة الأرضية، فإن الرقم الوحيد الذي يُحسب هو صفر، مشيرة إلى أن هذا الرقم كان وعدًا لجميع الأجيال القادمة، وليس الجيل الحالي فقط، مشيرة إلى أن تلك هي المرة الثانية فقط التي يتحقق فيها هذا الإنجاز بعد نجاح جهود استئصال مرض الجدري.
واختتمت الدكتورة باري حديثها محذرة من أن مرض كوفيد-19 أظهر للجميع مدى السرعة والخطورة، التي يمكن أن تنتشر بها الأمراض المعدية في جميع أنحاء العالم، ولهذا إذا لم يتم القضاء بشكل تام على مرض شلل الأطفال الآن، فسوف تنتشر موجات عدوى مرة أخرى قادمة من أفغانستان وباكستان، لينتقل الخطر إلى بقية العالم. وناشدت المجتمع الدولي بأن يساهم بمزيد من الفاعلية في الجهود للوفاء بالوعد والقضاء بشكل تام ونهائي على مرض شلل الأطفال والحد من الأمراض المعدية في العالم.