تسهم جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون على الرغم من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت بها عمليات الحجر الصحي. فهل تقدم الجائحة حلًا مناخيًا عمليًا؟
قدمت مجموعة من الباحثين في جامعة ستانفورد في العام 2019 خطة لتكاتف دول العالم بهدف خفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 50% بحلول العام 2030، وهو انخفاض قد يضعنا على المسار الصحيح للحفاظ على الهدف المحدد في اتفاقية باريس 2015، التي تنص على منع ارتفاع درجة حرارة الأرض لأكثر من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعيةـ وتشير بيانات وكالة ناسا إلى أن درجة حرارة الأرض ارتفعت بمقدار 1.1 درجة مئوية وأن حرارة بعض الأجزاء من العالم قد تجاوزت حد 1.5 درجة مئوية.
قدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن مثل هذا الانخفاض سيحتاج لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 7.6% على الأقل كل عام، وقال أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة «إن عدم الاهتمام بهذه التحذيرات وعدم اتخاذ إجراءات جذرية لعكس اتجاه الانبعاثات يعني أننا سنستمر في مشاهدة موجات الحرارة والعواصف وحالات التلوث القاتلة وكارثية، وكان التقرير السنوي للأمم المتحدة يحذر كل عام خلال الأعوام العشرة الماضية من هذا الخطر، لكن دول العالم لم تنفذ أي خطوة لمنع ازدياد الانبعاثات.»
لكن مفاجأة حدثت في شهر أبريل/نيسان الماضي، إذ استطاعت دول العالم تحقيق أهداف اتفاقية باريس البيئية بعد فرض إجراءات الحجر الصحي بسبب انتشار وباء كورونا المستجد، ويتوقع التقرير العلمي للأمم المتحدة للعام 2020 أن يشهد العالم انخفاضًا في درجة الاحترار العالمي بين 4% و7 مقارنة بمستويات العام 2019 وذلك وفقًا لسيناريوهات الجائحة المختلفة، ووجد التقرير أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون انخفضت بنسبة 17% مقارنة بمستويات العام 2019 خلال ذروة عمليات الحجر الصحي. وأدرج التقرير العلمي للأمم المتحدة كل توصيات التقارير السابقة، وأكد أن هذا الانخفاض مماثل في حجمه للانخفاض المطلوب تحقيقه كل عام حتى نطبق اتفاقية باريس العالمية.
وأظهرت إجراءات الحجر الصحي أن مثل هذه الخطوات ممكنة، لكن لكونها غير طوعية وعاجلة، فقد أدت إلى تداعيات اقتصادية وارتفاع نسبة البطالة في العالم وزيادة وفجوات تعليمية وظهور مخاطر صحية إضافية، لكنها – خلافًا للآثار البيئية للاحترار العالمي – ستعود إلى طبيعتها خلال مدة قصيرة، وبإمكان الحكومات في جميع أنحاء العالم اتخاذ إجراءات متزامنة واستثمار موارد هائلة لتفادي وقوع كارثة دون أن يصاحب ذلك تدهور اقتصادي.
اقترحت وكالة الطاقة الدولية إنفاق ترليون دولار على التقنيات الخضراء على مدار ثلاثة أعوام، وهو ما يعادل 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وسيوفر ذلك 10 ملايين وظيفة جديدة، وارتفاعًا قدره 1.1% في الناتج المحلي الإجمالي. وتنص الخطة البيئية للاتحاد الأوروبي على معالجة هاتين المشكلتين في آن، أي تقديم حوافز اقتصادية على مستوى القارة، وتوفير دعم للتقنيات والبنية التحتية الخضراء، وتهدف الخطة إلى إيقاف الانبعاثات الكربونية بحلول العام 2050، وتدعم بعض أكبر الشركات في العالم هدف خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 55% في القارة بحلول عام 2030.
حققت أوروبا تحولًا اقتصاديًا هائلاً وسريعًا وساعد التعاون الإقليمي في هذا التحول، وتتحرك الدول العربية وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي بسرعة أكبر نحو مصادر الطاقة المتجددة، وقد يبدو للوهلة الأولى أن الدول النامية أكثر عرضة للأخطار الاقتصادية إذا قررت الانتقال إلى اقتصاد صديق للبيئية، لكن القادة في تلك الدول سيحصلون على دعم شعبي أكبر إن فعلوا ذلك، إذ كشف استطلاع أجرته شركة إبسوس لآراء مشاركين من 14 دولة، أهمية أن تركز برامج التعافي من فيروس كورونا المستجد على مواجهة التغير المناخي، ووجدت أن نسبة كبيرة من شعوب الهند والصين والمكسيك أكثر دعمًا لهذه الجهود من شعوب الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وأستراليا.
The post كيف تؤثر جائحة فيروس كورونا المستجد على جهود تخفيض الانبعاثات الكربونية؟ appeared first on مرصد المستقبل.