أصدر علماء من جميع أنحاء العالم تحذيرات عديدة بأن الجنس البشري يسير في طريقه نحو الانقراض، ووقَّع 11 ألف عالِم، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بيانًا، حذروا فيه من «معاناة لا توصف بسبب أزمة المناخ، تتجاوز شدتها التوقعات، مهددةً النظم البيئية الطبيعية ومصير البشرية» وكررت الأمم المتحدة نداءاتها لاتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي للاحترار العالمي.
وفي حين يصف كثيرون التحذيرات على أنها متطرفة ومبالغ فيها، تبرز أدلة علمية كثيرة لإثبات واقعيتها، فعلامات تغير المناخ تحيط بنا في كل مكان؛ من ذوبان القمم الجليدية، إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وإزالة الغابات، وتدهور التربة، وارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وفي كل يوم يتزايد الضغط على مواردنا العالمية المحدودة مع استمرار نمو السكان وتزايد استهلاكهم؛ ووفقًا للإحصائيات سنحتاج بحلول العام 2050 إلى ثلاثة كواكب تقريبًا لإنتاج الموارد الطبيعية اللازمة للحفاظ على أنماط الحياة الحالية، إذا وصل عدد سكان الأرض إلى 9.6 مليار؛ وفقًا للتوقعات.
إجراءات جوهرية
وعلى الرغم من التحذيرات العالمية شديدة اللهجة، قد يكون إيقاف تغير المناخ واردًا، من خلال اتخاذ جملة من الإجراءات الجوهرية؛ منها أن يفصل المجتمع ككل، النمو الاقتصادي عن التدهور البيئي، وتبني مبادئ الاقتصاد الدائري؛ أي تقليل كمية النفايات وإعادة استخدام الموارد قدر الإمكان.
ومن المفيد اعتماد دول عديدة رائدة لمفاهيم الاستدامة، لتزود باقي دول العالم بنماذج واعدة عن أفضل السبل للحد من تهديدات تغير المناخ؛ مثل بلدان شمال أوروبا على وجه الخصوص، إذ تَظهر بانتظام في قائمة البلدان الأكثر استدامة في العالم؛ وفقًا لمؤشر الأداء البيئي، وتحتل المرتبة الأولى في فئاته الإحدى عشر؛ ومن بينها جودة الهواء وإدارة النفايات والحد من الانبعاثات الملوثة والزراعة.
خطوات ضرورية لتعزيز التجربة الإماراتية
ولتعزيز التجربة الإماراتية في الاستدامة، وتبوئها مركزًا مرموقًا في مكافحة الاحترار العالمي، والدخول في قائمة أفضل عشر دول في هذا المجال، من الضروري اتخاذ خطوات قابلة للتنفيذ؛ نوجزها في النقاط التالية.
الحد من النفايات
تبقى كمية النفايات المنتجة عالميًا على كوكبنا، من أكثر القضايا البيئية إلحاحًا، إذ ننتج يوميًا 3.5 مليون طن من البلاستيك والنفايات الصلبة الأخرى؛ أي 10 أضعاف الكمية المنتجة في القرن الماضي. ومعدل إنتاج النفايات في دولة الإمارات ومنطقة الخليج العربي، من أعلى معدلات النفايات عالميًا؛ بإجمالي 2.7 كيلوجرام من النفايات للفرد يوميًا، مقارنة بإنتاج الأوروبيين، الذي يبلغ وسطيًا 1.2 كيلوجرام. وينتهي المطاف بمعظمها إلى مكبات النفايات، وهي مصدر رئيس لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الضارة.
ومن أكثر الأساليب المبتكرة لمعالجة النفايات بطريقة لا تؤدي إلى تدهور البيئة، تحويلها إلى طاقة لمحطات معالجة النفايات. إذ تعيد هذه المصانع استخدام القمامة لإنتاج الطاقة، استنادًا إلى مبادئ الاقتصاد الدائري، وتتبع دولة الإمارات سياسة تحويل النفايات إلى طاقة وهي في طريقها إلى إنشاء بنية تحتية لدعم استراتيجيتها وتحقيق هدفها المتمثل في تحويل 75% من نفايات المكبات بحلول العام 2021. ويجري تنفيذ تلك المصانع فعليًا في أبوظبي والعين.
وبإمكان دولة الإمارات الاستفادة من تجارب عالمية رائدة؛ على غرار تجربة إحدى الجزر الدنماركية، التي وصلت إلى مرحلة خالية تمامًا من النفايات، بتغيير ثقافة المستهلكين وتعزيز المبادرات التعليمية لرفع سوية الوعي بتأثير الأفراد على النفايات؛ على غرار مبادرة مدرسة بيئة الإماراتية للتثقيف البيئي.
الطاقة المتجددة
ويكمن التأثير الأكبر، في التحول من استخدام الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، إذ يتسبب إنتاج الكهرباء والحرارة، والطاقة الأخرى، والنقل، والصناعة، في 70% من إجمالي انبعاثات الاحتباس الحراري العالمية.
وفي هذا الإطار، اعتمدت دولة الإمارات استراتيجية الطاقة 2050 الرامية إلى الوصول لمزيج طاقة من مصادر متجددة ونظيفة ونووية. وإذا حققت الإمارات هدفها قد توفر 192 مليار دولار بحلول العام 2050. وهي على طريق الريادة حاليًا في مجال الطاقة الشمسية؛ مع إطلاق مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية ليكون أكبر منشأة لتوليد الطاقة الشمسية في العالم. وأنتجت الدنمارك الدولة الأكثر استدامة في العالم، 47% من طاقتها من طاقة الرياح المتجددة حتى الآن. وإذا نجحت دولة الإمارات في تحقيق الأمر ذاته في قطاع الطاقة الشمسية، ستصبح في طريقها إلى ريادة الدول المستدامة.
ويستطيع المستهلكون أيضًا، إجراء تغييرات مؤثرة؛ مثل استخدام السيارات الكهربائية، بدلًا من مركبات الوقود الأحفوري. وتتوفر الآن 200 محطة شحن كهربائية في دولة الإمارات بهدف زيادة اعتماد المركبات الكهربائية بنسبة 20% خلال العام 2020. وتوّرد شركات تسلا وتويوتا وميتسوبيشي ورينو حاليًا المركبات الكهربائية إلى الأسواق المحلية، في ظل تشجيع وحوافز حكومية؛ تشمل توفير أماكن وقوف مجانية.
ويستمر سعر السيارات الكهربائية في الانخفاض، نظرًا للتطورات التقنية المتتابعة؛ مثل كفاءة البطارية، مع استمرار تطور البنية التحتية، ما يُنبئ بزيادة استخدمها، إذ يُتوقع أن تصل نسبة السيارات الكهربائية إلى 10% من جميع السيارات على الطرقات بحلول العام 2030.
المدن الذكية
وتبقى زيادة كفاءة استخدام الطاقة من أساسيات المدن الذكية، إذ تساعد بيانات الأجهزة المتصلة في المدن الذكية؛ مثل مراقبة حركة المرور على الطرقات، واستخدام المباني، إدارات المدن على استخدام مواردها بشكل أفضل؛ وفقًا لطلب المواطنين. وتساعد تقنيات المدن الذكية أيضًا، في ضبط التكييف وتدفئة المباني نهارًا، أو أتمتة إضاءة الشوارع ليلًا؛ حسب الحاجة، ما يقلل استخدام الطاقة غير الضروري.
ويُتوقَّع تعزيز الأهداف المستدامة أكثر، في ظل التطورات المستقبلية في تقنيات المدن الذكية، وقد تساعد المدن الذكية في تقليل بصمتنا الكربونية، من خلال مرافق الفرز الآلي للقمامة وإعادة التدوير ومراقبة مستويات إنتاج النفايات. وتشكل الزراعة العمودية وتحويل أسطح المنازل إلى مزارع، أحد الحلول المجدية، ما يقلل الطلب على الأراضي الصالحة للزراعة، ويوفر مساحات للتشجير.
وقد تساعد مزارع الأسطح أيضًا في تقليل الحرارة الناجمة عن البناء والمساعدة في تبريد درجة حرارة المدن، وهي تقلل إنتاج ثاني أكسيد الكربون بنسبة 70% مقارنة بالطرق الزراعية التقليدية، وقد تصبح أسطح المنازل في دولة الإمارات ملاذًا أخضر للمنتجات الطازجة. وفي هذا الإطار، خصصت دولة الإمارات 7600 متر مربع من أراضيها في المدينة للزراعة العمودية.
ويبدو أن دولة الإمارات أحرزت تقدمًا في مجال التحول إلى اقتصاد أكثر استدامة وفق رؤيتها 2021، بتحقيق مبادئ الاقتصاد الدائري. ومن الضروري التركيز على تثقيف وتغيير سلوك المواطنين بما يواكب استراتيجيات الحكومة لضمان التبني الدائم للممارسات المستدامة.
The post كيف تصبح دولة الإمارات الدولة الأكثر استدامة في العالم؟ appeared first on مرصد المستقبل.