كيف تقود دولة الإمارات العربية المتحدة ثورة الوقود النظيف للنقل البحري

الصناعة البحرية العالمية من أكبر القطاعات في العالم اليوم، إذ تحمل 90% من التجارة الدولية. ويُنقل نحو 11 مليار طن من البضائع كل عام من المواد الخام والسلع الاستهلاكية، ويعد الشحن البحري العمود الفقري للاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من ذلك، فحجم الصناعة ونطاقها الهائل مسؤولان عن انبعاث مليار طن من غازات الاحتباس الحراري سنويًا، أي 3% من غازات الاحتباس الحراري، ويُتوقع أن يرتفع هذا الرقم بنسبة 50% حتى العام 2050.

وعلى الرغم من أن السفن ما زالت من أقل وسائل النقل تكلفة وأكفأها، ما زال هذا القطاع من أكثر القطاعات تلويثًا، بسبب نطاقه الهائل واعتماده على النفط الثقيل. والسفن مسؤولة عن إطلاق ملوثات، منها ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين وسموم أخرى تعرض صحة الإنسان للخطر، وتؤثر على المجتمعات الساحلية أكثر من غيرها. وهذه الصناعة مسؤولة أيضًا عن انبعاثات كربونية أكثر من صناعة الطيران، وتطلق 15 سفينة فحسب انبعاثات من ثاني أكسيد الكبريت تكافئ ما تطلقه جميع السيارات في العالم.

وكان الاعتراف بالحاجة إلى فعل شيء لتخفيض البصمة الكربونية لصناعة الشحن بطيئًا نسبيًا، على الرغم من أن المنظمة البحرية الدولية تعهدت بخفض انبعاثات القطاع بمقدار النصف بحلول العام 2050، ليكون ذلك خطوة نحو إزالة الكربون من الصناعة تمامًا بصورة تدريجية. فقد لا تكون هذه الأهداف كافية لمواجهة تغير المناخ، ولا توجد تأكيدات تثبت قدرة الصناعة على تحقيق هذه الأهداف في المقام الأول.

الهيدروجين قد يكون الحل

قد يكون الهيدروجين جزءًا مهمًا من مستقبل الطاقة المستدامة منخفضة التكلفة في قطاع النقل، بما فيه النقل البحري. ووفقًا لمجلس الهيدروجين، من المتوقع أن يوفر الهيدروجين 18% من إجمالي احتياجات الطاقة في العالم بحلول العام 2050. وقد يصبح مستقبلًا بديلًا لكل أنواع الوقود الأحفوري، لكن ما زالت تحديات السوق عائقًا في وجه ذلك، خاصةً في مرحلتي الإنتاج والنقل. وينتج الهيدروجين عادة عبر تحليل الماء إلى هيدروجين وأكسجين، وما زال الإنتاج يعتمد على الوقود الأحفوري بدرجة كبيرة، ما يعني أن إنتاج الهيدروجين الحالي ليس نظيفًا. ويعمل العلماء والمهندسون اليوم على استكمال هذه العملية باستخدام الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية. وقد تتيح هذه المحاولات مستقبلًا إنتاج الهيدروجينالأخضر، ما يتيح لصناعة الشحن التخلص من الكربون تمامًا.

التزام الإمارات بمستقبل أخضر

تعد دولة الإمارات مركزًا عالميًا للشحن وموطنًا للعديد من المحاور البحرية الرائدة عالميًا، ومنها جبل علي وموانئ أبوظبي. وتترافق الأهداف التي حددتها المنظمة البحرية الدولية مع أهداف تغير المناخ الخاصة بدولة الإمارات، التي تلتزم باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي. وتعمل دولة الإمارات لتحقيق هذه الأهداف بتوسيع دور التقنيات قليلة الانبعاثات الكربونية في الاقتصاد والاستثمار في الطاقة المتجددة والطاقة النووية. ويدرك اتحاد الإمارات للشحن البحري، وهو الهيئة الرسمية لهذه الصناعة، ضرورة أن يصبح القطاع أكثر صداقة للبيئة، لتقليل تأثير الصناعة على البيئة.

وتستثمر دولة الإمارات اليوم في مجال الهيدروجين الأخضر، فهي تمتاز بموقع مثالي لاستقبال الطاقة الشمسية، بفضل وفرة أشعة الشمس والمساحات الصحراوية الشاسعة والمواقع الساحلية، خاصة بعد أن أدت الاستثمارات خلال العقد الماضي وما قبله إلى انخفاض تكاليف الطاقة الشمسية، لتكون منافسًا للوقود الأحفوري. وتمتاز دولة الإمارات بموقعها الجغرافي المركزي الفريد وبنيتها التحتية اللوجستية ذات المستوى العالمي، ما يمكنها من أن تصبح مُصدِّرًا رائدًا للهيدروجين الأخضر على مستوى العالم. لتتبوأ مكانة أقوى في سوق الطاقة العالمية مستقبلًا، ويصبح الوقود النظيف الذي تنتجه بديلًا عن صناعة النفط والغاز بأكملها.

وتُبذَل اليوم جهود لتحقيق هذه الغاية، وتعمل هيئة كهرباء ومياه دبي على تطوير محطة تحليل كهربائي للهيدروجين تعمل بالطاقة الشمسية في مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية. وحقق مجمع الطاقة الشمسية أقل تكلفة للكهرباء الشمسية في جميع أنحاء العالم، وهي خطوة مبشرة نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر. ويرى خبراء الصناعة أن على دولة الإمارات تركيز جهودها على دعم البيئة التنظيمية والاستثمارية المناسبة لتطوير الصناعة، للاستفادة من مزاياها الاستراتيجية، ولتصبح رائدة عالميًا في سوق الهيدروجين، وهذا يشمل الالتزام بما يلي:

إنشاء مرافق ضخمة لإنتاج الهيدروجين

يجب أن تستمر دولة الإمارات على الاستمرار في الاستثمار في مزارع الطاقة الشمسية لإنتاج طاقة متجددة منخفضة التكلفة، وتطوير تقنية التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وإنشاء المرافق اللازمة لإنتاج الهيدروكربون بكفاءة، ويشمل ذلك إنشاء مراكز للخدمات اللوجستية قرب مصادر الطاقة المتجددة. وما زالت تكلفة إنتاج الهيدروكربون الأخضر أعلى بخمس مرات من تكلفة إنتاج الوقود «الرمادي» أو الهيدروكربون القائم على الفحم، لكن تكلفة الهيدروجين الأخضر ستنخفض عند انتشار المرافق المخصصة لإنتاجه.

التركيز على إنتاج الأمونيا الخضراء

يرى خبراء الصناعة أن أفضل استراتيجية لدولة للاستحواذ على سوق الهيدروكربون تتمثل في تحويل الهيدروجين الأخضر إلى أمونيا خضراء، باستخدام الطاقة المتجددة. وسيسهّل هذا عملية النقل، على أن يُستخلص الهيدروجين من الأمونيا عند الحاجة. ويجب أن تستمر أيضًا في التركيز على البحث والتطوير، وتطوير الأساليب التي ستدعم الإنتاج العالمي للهيدروجين وتوريده.

التركيز على عدد صغير من الأسواق ذات الطلب المستدام

تزويد عدد أقل من الأسواق ذات الطلب المرتفع سيجعل عملية نقل الهيدروجين الأخضر أكفأ تجاريًا في المراحل الأولى من الإنتاج على الأقل. وقد يصبح الهيدروجين بديلًا عن النفط والغاز مستقبلًا، ويرجح أن تصبح الدول السباقة في إنشاء سلاسل إمداد للهيدروجين رائدة في السوق.

التحديات مستمرة

إنتاج الهيدروكربون الأخضر خطوة أولى نحو تطبيق استخدامه في قطاع النقل البحري. وتتوضع دولة الإمارات العربية المتحدة في مكانة جيدة لتصبح رائدة في السوق، ولكن يجب أولًا ترقية السفن لتعمل على الهيدروجين الأخضر. ويجري العمل اليوم على تطوير سفن جديدة تعمل بالهيدروجين الأخضر واختبارها، وبإمكان دولة الإمارات ترقية سفنها لتعمل عليه والتركيز على التخزين الآمن والفعال للوقود النظيف على متنها. وهي عملية صعبة ومكلفة، ما يعني ضرورة تشجيع الصناعة وتحفيزها على تطوير بنية تحتية جديدة. ومن المرجح أن تستفيد الدول السبّاقة في هذا المجال على المدى الطويل، إذ توضع اليوم لوائح أصرم في إطار مواجهة تغير المناخ.

The post كيف تقود دولة الإمارات العربية المتحدة ثورة الوقود النظيف للنقل البحري appeared first on مرصد المستقبل.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: