عقب خسارته بمعركة واترلو (Waterloo) يوم 15 حزيران/يونيو 1815، اضطر نابليون بونابرت للتخلي عن عرشه للمرة الثانية على التوالي. فمع فراره من منفاه الأول بجزيرة ألبا بالبحر الأبيض المتوسط، عاد بونابرت ليزيح الملك لويس الثامن عشر ويسترد الحكم لفترة لقبت من قبل المؤرخين بفترة المائة يوم قبل أن ينفى مجددا نحو جزيرة سانت هيلينا بعرض المحيط الأطلسي أين فارق الحياة يوم 5 أيار/مايو 1821.
ومع رحيل بونابرت عن سدة الحكم، عرف كبار العسكريين الذين عملوا تحت إمرته نهايات مختلفة. فبينما أعدم البعض كالمارشال ميشال نيي (Michel Ney) وزميله يواكيم مورات (Joachim Murat)، انطلق آخرون للبحث عن مغامرات عسكرية أملا في تدوين أسمائهم بالتاريخ. إلى ذلك، ومع انهيار الإمبراطورية الفرنسية الأولى عقب واترلو، لم يتردد عدد هام من العسكريين الفرنسيين في التنقل نحو دول جنوب القارة الأميركية للقتال ضد الإسبان.
تمرد بجنوب القارة الأميركية
عام 1808، وقع وريث عرش إسبانيا فرديناند السابع (Ferdinand VII) أسيرا في قبضة الفرنسيين بقيادة نابليون بونابرت. وكرد على ذلك، أعلنت مجموعة من القادة السياسيين والعسكريين الإسبان التمرد على التواجد العسكري الفرنسي واستقرت بمدينة قادس (Cadix) متخذة إياها مركزا للثورة على الفرنسيين. إلى ذلك، لم تصمد هذه المدينة طويلا. ومع سقوط قادس، أعلنت المستعمرات الإسبانية بجنوب القارة الأميركية رفضها الانصياع للفرنسيين وطالبت في المقابل بعودة النظام الملكي بمدريد.
عقب معركة واترلو ورحيل نابليون بونابرت نهائيا، رفضت بعض المستعمرات الإسبانية بجنوب القارة الأميركية العودة لسلطة مدريد. فبينما قبلت مناطق كالشيلي والبيرو وغرناطة الجديدة بذلك، رفضت مناطق الأرجنتين، التي ضمت أيضا الباراغواي حاليا، الأمر وأعلنت التمرد على الإسبان الذين اتخذوا من مدينة ليما (Lima) مركزا رئيسيا لهم بالمنطقة.
هزيمة الإسبان
إلى ذلك، يعد العسكري جوزيه دي سان مارتان (José de San Martín) أبرز هؤلاء العسكريين الذين انتقلوا نحو جنوب القارة الأميركية. فبعد أن قاتل تباعا مع قوات نابليون بونابرت وضدها بأوروبا، عاد الأخير نحو وطنه الأرجنتين وحل عام 1812 بمنطقة بيونس آيرس وهو في الرابعة والثلاثين من العمر. وعلى الرغم من تلقيبه حينها بأفرنسيسادو (afrancesado)، أو المحرر الفرنسي، كسب هذا الشاب ثقة الثوار بالمنطقة.
حاملا على عاتقه مهمة طرد الإسبان من جنوب القارة الأميركية، رفض جوزيه دي سان مارتان فكرة مهاجمة البيرو والسيطرة على ليما، مؤكدا على صعوبة اجتياز التضاريس الجغرافية بهذه المنطقة وامتلاك الإسبان لأعداد كبيرة من القوات هنالك.
وبدلا من ذلك، قرر هذا العسكري السابق بجيش نابليون عبور جبال الأنديز والتوجه نحو الشيلي للسيطرة على سانتياغو قبل التوجه عبر البحر فيما بعد نحو ليما. وبمساعدة كل من الجنرال برناردو أوهيغينز (Bernardo O'Higgins) والعشرات من العسكريين السابقين بجيش نابليون بونابرت، حل جوزيه دي سان مارتان بالشيلي يوم 7 شباط/فبراير 1817 قبل أن يخوض بعدها بخمسة أيام فقط معركة شاكابوكو (Chacabuco) التي استخدم بها استراتيجيات نابليون بونابرت السابقة بأوروبا. وخلال هذه المعركة، تمكنت قوات جوزيه دي سان مارتان من تحقيق نصر ساحق على الإسبان الذي قتل واسر منهم ما يزيد عن ألف فرد. وبفضل هذا الإنتصار، فتح جوزيه دي سان مارتان الطريق للثوار نحو العاصمة سانتياغو.