كان لتطوير شبكات النقل تأثير محوري على تقدم الحضارة الإنسانية، فمن الطرق التي شقتها الإمبراطورية الرومانية إلى اختراع البريطانيين للمحرك البخاري، واختراع الطائرات، سهّل نقل البضائع والأشخاص لمسافات شاسعة تبادل المعرفة والموارد. واليوم ينظر كثيرون إلى هايبرلوب الابتكار الرئيس لمستقبل النقل، والاختراع الأهم منذ اختراع الطائرة.
ويشبه هايبرلوب قطار الطلقة فائق السرعة، لكن أوجه الشبه شكلية فحسب، إذ تنطلق كبسولات هايبرلوب فائقة السرعة ضمن أنابيب فولاذية بالاعتماد على محركات كهربائية. وترتفع الكبسولات قليلًا وتنزلق عبر الأنبوب المفرغ جزئيًا من الهواء، ما يمكنها من السفر بسرعات أعلى من أي وسيلة نقل تعتمد على عجلات. وتصل سرعات كبسولات هايبرلوب إلى سرعات تفوق سرعة الصوت، ما يجعلها أسرع من السفر الجوي والسكك الحديدية. وتصل سرعتها إلى 966 كم/ساعة، ما يخفض وقت رحلة برية تستغرق ثلاث ساعات إلى 30 دقيقة فحسب.
وسيلة نقل صديقة للبيئة
تقليل وقت السفر بصورة كبيرة فكرة جذابة في حد ذاتها، لكن تقنية هايبرلوب تمتاز أيضًا بكفاءة عالية في استخدام الطاقة، فهايبرلوب وسيلة نقل تراعي البيئة تمامًا وتسهم في مواجهة تغير المناخ والاستغناء عن المركبات والطائرات التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود الأحفوري. وأظهرت دراسة جدوى أجرتها وزارة النقل الأمريكية أن هايبرلوب سيكون أكفأ من السفر الجوي في استخدام الطاقة بست مرات في الرحلات القصيرة، وأسرع بثلاث مرات من أسرع قطار في العالم.
وأظهرت دراسات شركة فيرجن هايبرلوب أنه بالإمكان تقليل انبعاثات الوقود الأحفوري التي تولدها الطائرات بنسبة 58% عند استخدام هايبرلوب ومصادر الكهرباء المتجددة لرحلات الركاب للمسافات التي تتراوح بين 500 كم و1500 كم في مختلف أنحاء العالم. وقد يقلل هايبرلوب عدد المركبات على الطرق، والتي يُتوقع أن يصل عددها إلى ملياري مركبة بحلول العام 2035. وسيسهم ذلك في تخفيف الازدحام المروري كثيرًا، خاصة إن استُخدِمت التقنية بدلًا من الشاحنات لنقل البضائع. ولا تقتصر فوائد هايبرلوب على توفير الطاقة، فهو هادئ جدًا، ما يعني أن استخدامه قد يقلل أيضًا من التلوث الصوتي بالضوضاء.
وسيلة نقل أفضل
يُتوقع أن يكون هايبرلوب أكثر ملاءمة من أشكال النقل الأخرى. ولا يعتمد هايبرلوب على الوقود الأحفوري، إذ سيعمل بالكهرباء وستكون تكلفة استخدامه معقولة. وهو ذاتي القيادة تمامًا، ويتيح السفر عند الطلب. وبإمكان المسافرين اختيار حجم الكبسولة كما يريدون، والسفر في أي وقت يرغبون فيه. ويُتوقع أيضًا أن يقلل الوقت اللازم لتسجيل الوصول والإجراءات الأمنية ويجنب الركاب التأخير، بمعزل عن الطقس الخارجي.
مواقع هايبرلوب المحتملة
يُتوقع أن يصبح هايبرلوب حقيقة واقعة في العقد المقبل، إذ نجحت شركة فيرجن هايبرلوب حديثًا في تجربة أول رحلة ركاب في تاريخها. ويتلقى مشروع هايبرلوب ون دعمًا واستثمارًا من موانئ دبي العالمية، وتخطط الشركة اليوم لمواقع مسارات محتملة كثيرة في مختلف أنحاء العالم، ومن بينها عدة مواقع في الولايات المتحدة الأمريكية والهند وموسكو والدول الاسكندنافية والمملكة العربية السعودية. ومن المتوقع تشغيل هايبرلوب ون في دولة الإمارات بين دبي وأبوظبي، وتوجد دراسات لاستخدامه في نقل البضائع والأفراد، ما سيحدث ثورة في سفر الركاب وصناعة الخدمات اللوجستية بأكملها.
فوائد للمدن
سيكون لإطلاق شبكات هايبرلوب في جميع أنحاء العالم فوائد للمدن والمقيمين فيها. فهايبرلوب يراعي البيئة وأقل تكلفة وضجيجًا من وسائل النقل الحالية، وسيسهل الوصول إلى المراكز الحضرية. وسيستطيع الذين يعيشون في مناطق نائية، والذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الإستئجار في مراكز المدن، الوصول إلى وظائفهم بسلاسة أكبر. وقد يسهم هايبرلوب أيضًا في حل أزمات الإسكان التي تواجه المدن الكبرى في جميع أنحاء العالم، ويجعل الوصول إلى الجامعات أسهل. وتسهيل الوصول إلى المدن سيساعدها أيضًا على توليد دخل إضافي، فمثلًا، قد يذهب الناس إلى المدينة لساعات للاستمتاع بعرض مسرحي أو عشاء ويعودون إلى المنزل مساءً.
أثره على الخدمات اللوجستية
تتغير الاتجاهات في صناعة الخدمات اللوجستية، وخاصة في ظل انتشار التجارة الإلكترونية، إذ يتوقع المستهلكون اليوم تسليم طلباتهم بسرعة أكبر من السابق. وسيرتبط هايبرلوب بالبنية التحتية الحالية للنقل، وسيؤدي ذلك إلى تقصير وقت النقل. ويرى خبراء الصناعة أن هايبرلوب سيقلل أوقات التسليم والحاجة إلى التخزين، ووجدت شركة ماكينزي للأبحاث أنهما سينخفضان بنسبة 25%. وسيتيح ذلك لمزودي الخدمات اللوجستية تسليم البضائع بسرعة أكبر وتكلفة أقل.
ويُتوقع أن يستطيع هايبرلوب حمل حاوية قياسية متعددة الوسائط طولها 12 مترًا. وتتيح القدرة على استخدام هايبرلوب عند الطلب لشركات الخدمات اللوجستية استخدامه بتكرار أعلى من أشكال النقل المتوفرة اليوم، ما يعني إمكانية نقل بضاعة بأحجام أصغر. وبالإمكان بناء مسارات هايبرلوب فوق سطح الماء أو تحته، وسيقلل ذلك الحاجة إلى الموانئ، التي تواجه اليوم ازدحامات شديدة.
واقع هايبرلوب
يرى البعض أن تطبيق التقنية سيكون صعبًا أو مستحيلًا، لكن أول اختبار لنقل الركاب كان بمثابة نجاح يبشر بمستقبل مشرق. ويُتوقع أن يغير هايبرلوب مستقبل نقل الأفراد والبضائع، وقد يكون له تأثير جذري على الطريقة التي نرى بها العالم. وقد تتغير نظرتنا للتقسيمات الإدارية التي نراها في الخرائط بين مدن وبلدات وقرى، إذ سيجعل هايبرلوب المسافات تبدو أقصر بكثير.
ويتوقع محللون أن يضفي هايبرلوب طابعًا ديمقراطيًا على السفر والوصول إلى المدن العالمية، وأن يحقق فوائد اقتصادية دون الإضرار بالبيئة. والمؤكد أننا بأمس الحاجة إلى وسيلة نقل مستدامة وصديقة للبيئة تسهم في مواجهة تغير المناخ، وقد يكون في هايبرلوب الحل.
The post كيف ستغير تقنية هايبرلوب مستقبل السفر؟ appeared first on مرصد المستقبل.