عام 1872، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع سابقة فريدة من نوعها. فلأول مرة بتاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية، يفارق أحد المرشحين الرئيسيين لمنصب الرئيس الحياة قبل فترة وجيزة من صدور النتائج النهائية، متسببا بذلك في إحراج للمجمع الانتخابي الذي عثر في النهاية على حل بديل لإصدار النتائج وإعلان اسم الرئيس الفائز بالانتخابات الثانية والعشرين بتاريخ البلاد.
وخلال فترته الرئاسية الأولى التي تلت فوزه بانتخابات عام 1868، حافظ الرئيس يوليسيس غرانت (Ulysses S. Grant) على شعبيته وكسب ترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات عام 1872 على الرغم من الفضائح التي لاحقته. فأثناء عهدته الأولى، اتهم غرانت بإحاطة نفسه بمجموعة من السياسيين والأصدقاء السيئين المتهمين بقضايا فساد وإقحامهم في حكومته وإدارته متجاهلا بذلك مطالب كثيرين بضرورة منح هذه المناصب الهامة بالدولة لأشخاص جديرين بها.
وأملا في كسب أصوات الناخبين وتجنب المشاكل داخل الحزب، وافق الجمهوريون على عدم ترشيح السياسي سكايلر كولفاكس (Schuyler Colfax) لمنصب نائب الرئيس خلال انتخابات عام 1872 وتعويضه بهنري ولسن (Henry Wilson) عقب اتهامه بقضايا فساد ارتبطت حينها بفضيحة كريدي موبيليير (Crédit Mobilier).
انقسام الجمهوريين وتحالف مع الديمقراطيين
في الأثناء، عارض عدد من الجمهوريين فكرة ترشيح يوليسيس غرانت لولاية ثانية وطالبوا بتقديم مشرح جديد للانتخابات. ومع رفض طلبهم، انشق هؤلاء السياسيون، وعلى رأسهم تشارلز سامنر (Charles Sumner)، عن الحزب الجمهوري وأسسوا الحزب الجمهوري الليبرالي واتفقوا على ترشيح العضو السابق بمجلس النواب والناشط السياسي والصحافي بجريدة نيويورك تريبيون (The New-York Tribune) هوراس غريلي (Horace Greeley) لمقارعة غرانت برئاسيات 1872، كما رشّح السيناتور السابق وحاكم ميسوري (Missouri) بنجامين غراتز براون (Benjamin Gratz Brown) لمنصب نائب الرئيس.
ومن خلال حادثة فريدة من نوعها، اتفق أعضاء الحزب الديمقراطي على عدم تشتيت أصوات المعارضة فوافقوا على دعم مرشح الجمهوريين الليبراليين هوراس غريلي أملا في إزاحة غرانت صاحب الشعبية الهائلة.
أيضا، شهدت انتخابات عام 1872 مشاركة عدد من الأحزاب الأخرى كحزب الإصلاح العمالي وحزب الحظر، المساند لحظر المشروبات الكحولية، والحزب الوطني للمساواة في الحقوق الذي قدّم فكتوريا وودهل (Victoria Woodhull) كأول امرأة تترشح لمنصب الرئيس بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية.
انتقادات لاذعة
وطيلة فترة الحملة الانتخابية، تعرض المرشحان الرئيسيان للعديد من الانتقادات اللاذعة حيث اتهم يوليسيس غرانت بالفساد المالي والإداري واستغلال سلطته لمنح مناصب هامة لعدد من أصدقائه بينما اتهم بتهم أخرى فوصف بغريب الأطوار بسبب إيمانه بالروحانيات وقدرته على الحديث مع الموتى وآرائه المؤيدة لحظر الكحول وتوجهاته التي وصفها كثيرون بالاشتراكية.
وفاة غريلي قبل النتائج
إلى ذلك، جاءت نتائج انتخابات عام 1872 لتؤكد فوز غرانت بولاية ثانية. فخلال التصويت الشعبي، حصل غرانت على نحو 3.6 مليون صوت وهو ما يعادل نحو 55.6 بالمائة من الأصوات بينما حصل منافسه هوراس غريلي على حوالي 2.8 مليون صوت أي ما يعادل 43.8 بالمائة من الأصوات. لكن قبل فترة وجيزة من انعقاد المجمع الانتخابي حصل ما لم يكن في الحسبان حيث توفي المرشح هوراس غريلي يوم 29 نوفمبر 1872 عن عمر يناهز 61 سنة عقب تدهور حالته الصحية ليجد بذلك المجمع الانتخابي نفسه في موقف محرج.
وعقب جملة من المشاورات، حصل يوليسيس غرانت على 286 صوتا من أصوات الناخبين بالمجمع الانتخابي ليفوز بذلك بولاية ثانية. وفي المقابل، كان من المقرر أن يحصل غريلي على حوالي 66 صوتا لكن بسبب وفاته اتفق الجميع على منح أصواته لبقية المترشحين بينما لم تحصل المرشحة فكتوريا وودهل على أي صوت.