منذ استلامهم للسلطة عقب نجاح الثورة البلشفية، اتجه أنصار فلاديمير لينين لتغيير جانب هام من الملامح التاريخية لروسيا. ومن خلال ذلك، حاول القادة الجدد للبلاد طمس ملامح روسيا القيصرية. وفي الأثناء، تصاعدت وتيرة التخلص من المعالم التاريخية أثناء فترة حكم جوزيف ستالين التي استمرت لنحو ربع قرن وانتهت بوفاته خلال شهر آذار/مارس 1953. فإضافة لتغييره لأسماء المدن، أمر ستالين بهدم العديد من الكنائس والمعالم الدينية ذات القيمة التاريخية الهامة. ومن ضمن هذه المباني التي تحوّلت لضحايا النظام الستاليني، يذكر التاريخ كاتدرائية المسيح المخلّص (Cathedral of Christ the Saviour) بالعاصمة موسكو.
تشييد كاتدرائية المسيح المخلص
مع انسحاب نابليون بونابرت من موسكو، أصدر القيصر الروسي ألكسندر الأول (Alexander I) يوم 25 كانون الأول/ديسمبر 1812 بيانا أمر من خلاله ببناء كاتدرائية، حملت اسم كاتدرائية المسيح المخلّص، كشكر لله على تخليص موسكو من نابليون بونابرت ولتخليد ذكرى الروس الذين ضحّوا بأنفسهم لطرد الفرنسيين.
إلى ذلك، استغرقت بداية تشييد الكاتدرائية بعض الوقت حيث وافق القيصر ألكسندر الأول بحلول العام 1817 على التصاميم التي قدّمها المهندس المعماري ألكسندر فيتبرغ (Aleksandr Vitberg) والتي اعتمدت أساسا على تصاميم معمارية نيوكلاسيكية. ومع وفاة ألكسندر الأول واستلام شقيقه نيقولا الأول (Nicholas I) لمقاليد الحكم عام 1825، أمر القيصر الجديد، الذي تميّز بتدينه مقارنة بشقيقه، بوقف اشغال البناء واتجه لتغيير التصاميم عن طريق تكليف المهندس المعماري قسطنطين ثون (Konstantin Thon) بتشييد كاتدرائية شبيهة بآيا صوفيا بالقسطنطينية. وعام 1832، وافق نيقولا الأول رسميا على التصاميم المقدمة من قبل قسطنطين ثون لتبدأ بذلك عملية البناء بمكان جديد تميّز بقربه من الكرملين.
وطيلة العقود التالية، تعطلت أشغال البناء مرات عديدة واستمرت لنحو نصف قرن. وخلال شهر آب/أغسطس عام 1882، قدّم الملحن الروسي الشهير تشايكوفسكي، صاحب القطعة الموسيقية بحيرة البجع، عمله الأوركستري افتتاحية 1812، التي خلّد من خلالها فشل الغزو الفرنسي للأراضي الروسية، بالقرب من موقع بناء كاتدرائية المسيح المخلّص.
تفجير الكاتدرائية
مع استلام البلشفيين لزمام الأمور عقب ثورة أكتوبر 1917، اتجه لينين ورفاقه بداية من العام 1921 لشن حملة ضد الرموز الدينية بالبلاد. وعقب تدمير جانب هام من الكنائس والمعالم التي رمزت للنظام القيصري، حلّ الدور مطلع الثلاثينيات، أثناء فترة حكم ستالين، على كاتدرائية المسيح المخلّص التي اقترح ستالين تدميرها واستغلال موقعها لتشييد ما يعرف بقصر السوفييت.
مطلع الثلاثينيات، عانى الاتحاد السوفيتي من ضائقة مالية لدفع العجلة الاقتصادية للبلاد ضمن برامج ستالين لتطوير القطاعات الصناعية والمنجمية والفلاحية. وأملا في الحصول على المال الكافي، اقترح عدد من أعضاء الحزب السوفيتي مهاجمة المعالم الدينية ونهب ما بها. وعلى حسب بعض الوثائق التي عرضت أمام اللجنة التنفيذية المركزية للاتحاد السوفيتي، احتوت قباب كنيسة المسيح المخلص بموسكو على أطنان من الذهب وجب انتزاعها لضمان نجاح البرامج الستالينية.
وخلال اجتماع ترأسه ميخائيل كالينين (Mikhail Kalinin) للجنة التنفيذية المركزية للاتحاد السوفيتي يوم 13 تموز/يوليو 1931، قرر المسؤولون رسميا إزالة كاتدرائية المسيح المخلص وإنشاء قصر السوفيت بدلا منها. وعقب أشهر تم خلالها إزالة الأشياء القيمة منها، أقدم الاتحاد السوفيتي يوم 5 كانون الأول/ديسمبر 1931 على تفجير كاتدرائية المسيح المخلص واضعا بذلك حدا لهذا المعلم التاريخي.
لاحقا، اتجه جوزيف ستالين لتحقيق حلمه بإنشاء قصر السوفييت إلا أن أشغال البناء توقفت بسبب عدم توفر الإمكانيات المادية واندلاع الحرب العالمية الثانية. وعام 1958، أنشأ القائد السوفيتي نيكيتا خروتشوف أكبر مسبح بالهواء الطلق بالعالم على موقع هذه الكاتدرائية. ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، فضّل المسؤولون الروس الجدد إزالة المسبح وإعادة تشييد كاتدرائية المسيح المخلص. إلى ذلك، استمرت أشغال البناء لسنوات واكتملت مطلع القرن الواحد والعشرين.