بالقرن الماضي، كان الاتحاد السوفيتي مسرحا للعديد من النظريات والتجارب "العلمية" الغريبة. فأملا في جعل الاتحاد السوفيتي مركز إشعاع علمي عالمي وإبراز نجاح نموذج الحزب الشيوعي بموسكو، لم يتردد المسؤولون السوفيت، وعلى رأسهم جوزيف ستالين، في التنكر للعديد من العلوم التي لقّبوها بالعلوم البورجوازية ولجؤوا بدلا منها للإيمان بأفكار جديدة أثبتت في الغالب فشلها وانتهت أحيانا بكوارث ووصفها المؤرخون بفضائح علمية.
وإضافة لليسنكووية التي رفضت الوراثة المندلية والنظرية الداروينية وانتهت بمجاعة والعالم فلاديمير بيتروفيتش ديميخوف (Vladimir Petrovich Demikhov) الذي اتجه لخلق كلب برأسين، كان الاتحاد السوفيتي خلال عشرينيات القرن الماضي على موعد مع تجارب البيولوجي إيليا إيفانوفيتش إيفانوف (Ilya Ivanovich Ivanov) حيث لجأ الأخير للإمناء الاصطناعي، المعروف أيضا بالتلقيح الاصطناعي، أملا في خلق كائنات هجينة من البشر والقردة.
إيفانوف والتلقيح الاصطناعي
تخرج إيليا إيفانوفيتش إيفانوف من جامعة خاركوف عام 1896 وأصبح أستاذا بشكل رسمي عام 1907 وقد عمل الأخير خلال مسيرته العلمية كباحث لصالح المحمية الطبيعية أسكانيا نوفا (Askania-Nova) ومعهد الطب البيطري التجريبي الوطني ومعهد موسكو الوطني للتقنيات البيطرية. ومنذ مطلع القرن العشرين، شجّع إيفانوف على ممارسة التلقيح الاصطناعي على الحيوانات مؤكدا على قدرة مثل هذه الممارسات على مضاعفة الثروة الحيوانية وتوفير مزيد من رؤوس الماشية وتحسين الإنتاج الفلاحي.
مطلع عشرينيات القرن الماضي، كسب إيليا إيفانوفيتش إيفانوف شهرة بروسيا بفضل تجاربه الغريبة لخلق حيوانات هجينة عن طريق عمليات تهجين بين فئران وجرذان وبين البقر والبيسون. وخلال العقد الأخير من عمره، لقّب إيفانوف بفرانكنشتاين الأحمر (Red Frankenstein) حيث وجّه هذا العالم الروسي طموحاته نحو البشر فحاول بشكل غريب خلق كائن جديد هجين بين الإنسان والقرد وقد وجّه إيفانوف حينها ناظره نحو القردة بسبب تشابهها في العديد من الخاصيات الجينية مع البشر.
عامل محدود التفكير ومطيع
من جهة ثانية، راقت فكرة خلق كائن هجين بين الإنسان والقرد للعديد من أعضاء الحكومة البلشفية فقد آمن كثيرون بإمكانية خلق كائن لا يناقش الأوامر ويتحمل مشقة إنجاز المهام الصعبة والمرهقة والعمل لساعات طويلة بالمصانع والحقول كما فكّر أيضا البعض في إمكانية خلق جيل من الرياضيين الأصحاء والعمالقة القادرين على تشريف الاتحاد السوفيتي بالمحافل الرياضية الدولية.
من جهة ثانية، راقت فكرة الكائن الهجين بين القرد والإنسان للقائد السوفيتي جوزيف ستالين حيث فكّر الرجل الحديدي، أي جوزيف ستالين، في خلق جيش جديد يتكون من جنود أصحاء ومطيعين ومحدودي التفكير لإحكام قبضته على الأراضي السوفيتية والاستعداد لحروب مستقبلية.
فشل ذريع
منتصف العشرينيات، منحت السلطات السوفيتية إيفانوف مبلغا يعادل 1.5 مليون دولار بيومنا الحاضر لإنجاح مشروعه العلمي الغريب. وبفضل ذلك، تمكن الأخير من الحصول على عدد من قردة الشمبانزي من المستعمرة الفرنسية بغينيا. وبادئ الأمر، لجأ هذا العالم الروسي لممارسة التلقيح الاصطناعي على عدد من إناث الشمبانزي اعتمادا على حيوانات منوية بشرية حصل عليها من عند أحد المتبرعين.
لقيت تجارب إيفانوف فشلا ذريعا حيث لم يتمكن التلقيح الاصطناعي من إحداث أية عملية حمل لدى أي من إناث القردة. وأمام هذا الوضع، فضّل العالم السوفيتي أواخر العشرينيات عكس التجربة فاتجه لممارسة التلقيح الاصطناعي على عدد من النساء المتطوعات اعتمادا على الحيوانات المنوية لقرد الشمبانزي ليعرف مرة ثانية فشلا ذريعا.
غضب ستالين
وأمام تواصل فشل برنامج "الإنسان القرد"، فقد جوزيف ستالين صبره كما تزامن ذلك مع تراجع ثقة القائد السوفيتي بنسبة هامة من علمائه. عقب تعرضه لجملة من الانتقادات، اعتقل إيليا إيفانوفيتش إيفانوف أواخر العام 1930 فنفي حسب أوامر ستالينية نحو كازاخستان وتوفي هنالك خلال شهر آذار/مارس 1932 عن عمر يناهز 61 سنة عقب سكتة دماغية.