يوم 22 يونيو 1941، باشر ما يزيد عن 3 ملايين جندي ألماني تدخلهم بالاتحاد السوفيتي ضمن عملية بربروسا (Barbarossa) فاتحين بذلك جبهة جديدة بعد مضي عام فقط عن استسلام فرنسا. ومن خلال هذا التدخل العسكري، نقض النازيون اتفاقية عدم الاعتداء، المعروفة أيضاً باتفاقية مولوتوف ريبنتروب (Molotov–Ribbentrop)، مثيرين بذلك ذهول القائد السوفيتي جوزيف ستالين الذي تجاهل طيلة الأيام السابقة التقارير الاستخباراتية حول هجوم ألماني وشيك.
وعلى الرغم من المساحة الشاسعة للاتحاد السوفيتي والتعداد العسكري الهائل للجيش الأحمر، حققت الفيرماخت (Wehrmacht)، أي القوات المسلحة الألمانية، تقدماً سريعاً مكبدة السوفيت خسائر جسيمة. ومع دخولها أراضي أوكرانيا، التي مثلت حينها إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي، حدد الألمان جانباً من الأهداف التي وجبت السيطرة عليها. ومن ضمن هذه الأهداف، مثلت مدينة خاركيف، الواقعة على بعد 450 كلم شرق كييف، نقطة استراتيجية للفيرماخت بسبب مكانتها الصناعية.
أهمية خاركيف
إلى ذلك، مثلت خاركيف خلال خريف عام 1941 مدينة مهمة للاتحاد السوفيتي. فبفضل شبكة سككها الحديدية، ربطت خاركيف بين الغرب والشرق والجنوب والشمال الأوكراني كما اعتبرت نقطة ربط أساسية لمناطق القرم ودونباس والقوقاز.
من ناحية ثانية، مثلت خاركيف قلباً صناعياً نابضاً لآلة الحرب السوفيتية حيث أنتجت المدينة، بفضل احتوائها على مصنع الجرارات، دبابات تي 34 (T-34) التي أرسلت نحو الجبهة لمقارعة الألمان. إضافة لذلك، ضمت خاركيف مصنعاً للطائرات اختص أساساً في صناعة طائرات سوخوي سو 2 (Su-2) كما احتوت على مصانع أسلحة أخرى أنتجت الرشاشات وقطع المدفعية وشاحنات جر المدافع.
وأثناء الحرب العالمية الثانية، وصف القائد النازي أدولف هتلر خاركيف بثاني أهم المدن في جنوب الاتحاد السوفيتي مؤكداً على ضرورة سيطرة الفيرماخت عليها لإضعاف الجيش الأحمر ودفع الاقتصاد السوفيتي نحو الانهيار.
دخول الألمان لخاركيف
إلى ذلك تجمعت قوات فرقة المشاة 216 السوفيتية بمدينة خاركيف، بعد أن أعادت تنظيم صفوفها عقب هزيمتها وانسحابها من كييف. وفي الأثناء، أوكلت لهذه الفرقة مهمة الدفاع عن خاركيف والصمود لأطول فترة ممكنة في انتظار إتمام عملية تفكيك محتويات المصانع استعداداً لنقلها نحو الشرق السوفيتي.
ويوم 22 أكتوبر 1941، تلقت فرقة المشاة 218 الألمانية الأوامر بالقيام بمهمة استطلاعية قرب خاركيف لتحديد مواقع تمركز الجيش الأحمر. وفي خضم هذه المهمة، تعرضت القوات الألمانية لهجوم سوفيتي مفاجئ تمكنت من صده بصعوبة. وفي غضون ذلك، نجح السوفيت قبل ذلك بيومين، أي يوم 20 أكتوبر 1941، في نقل القسم الأكبر من معداتهم الصناعية لخارج المدينة عن طريق خطوط السكك الحديدية حيث تكفل 320 قطاراً سوفيتيا بمهمة نقل محتويات 70 مصنعاً بخاركيف.
كما باشرت القوات الألمانية في حدود الساعة الثالثة مساء يوم 23 أكتوبر 1941، بمهاجمة خاركيف عقب تأخر وصول المدفعية بسبب صعوبة نقلها بالأراضي المليئة بالطين. وفي الأثناء، تكفل الجيش السادس الألماني، بقيادة الجنرال فالتر فون رايخيناو (Walter von Reichenau)، بمحاصرة القسم الشمالي من خاركيف بينما تنقل الجيش السابع عشر نحو الجنوب لمهاجمة الدفاعات السوفيتية.
وبحلول يوم 24 أكتوبر 1941، وقعت خاركيف في قبضة الجيش السادس الألماني. وظلت هذه المنطقة بقبضة الألمان لحين استعادتها مجدداً من قبل السوفيت خلال أغسطس 1943.
يشار إلى أنه قبل بداية عملية غزو الاتحاد السوفيتي، قدّر عدد سكان خاركيف بنحو 900 ألف نسمة. وفي حدود سبتمبر 1941، ارتفع هذا العدد ليبلغ 1.5 مليون نسمة تزامناً مع توافد عدد كبير من اللاجئين. ومع استعادة السوفيت للمدينة خلال أغسطس 1943، كان عدد سكان المدينة قد تراجع بشكل لافت للانتباه ليستقر في حدود 190 ألف نسمة ويعزى السبب في ذلك لرحيل مئات الآلاف عنها بسبب تواصل الحرب والإعدامات التي قادها الألمان ضد السكان اليهود للمدينة والقتلى الذين سقطوا بسبب المعارك والجوع.