للمرة الأولى في العالم العربي؛ افتتحت شركة نوكس مانجمنت الكويتية المتخصصة بتطوير تقنيات الزراعة الذكية، بشراكة مع الشركات الهندسية الألمانية؛ آند إفر و إس إيه بي وفيزمان، منتصف أغسطس/آب 2020، مزرعة عمودية ذكية مغلقة للأغراض التجارية في دولة الكويت، قائمة على الزراعة العضوية المراعية للبيئة.
وتصل المساحة المزروعة في المشروع إلى نحو 3 آلاف متر مربع، ويتوقع القائمون عليها أن تنتج نحو 250 نوعًا من الخضروات الورقية العضوية، بتقنية الزراعة دون تربة، بقدرة إنتاجية تبلغ 550 كيلوجرام من الخضروات يوميًا، ما يدعم الأمن الغذائي في الكويت، بعد أن كانت تعتمد على الواردات الخارجية لتلبية حاجة السوق المحلية.
الزراعة العمودية
والمزارع العمودية إحدى أهم حلول إنتاج الغذاء، ويُتوقَّع أن تغير وجه الزراعة في المستقبل وأن تسهم في تحقيق ثورة في الأمن الغذائي العالمي، وبشكل خاص في المناطق ذات المناخ القاسي، إذ تتبنى أساليب عالية التقنية لإنتاج محاصيل في نظام بيئي مغلق يسهل التحكم بعوامله من درجات حرارة وإضاءة، بالاعتماد على الزراعة المائية دون تربة أو الحاجة لاستخدام مبيدات حشرية وذلك على رفوف تمتد رأسيًا.
وتقلل طريقة الزراعة العمودية استخدام المياه بنسبة تصل إلى 90% مقارنة بالزراعة التقليدية، وتقلل من استخدام الأسمدة بنسبة 60%، دون استخدام المبيدات الحشرية. وتكفل حفظ قيمة المنتجات الغذائية حتى وصولها إلى المستهلكين، بفضل نموذج مستدام يقوم على إتاحة المنتجات مباشرة من المزرعة إلى المائدة.
وقال فيصل المشعل، رئيس إدارة الاستراتيجية وتطوير الأعمال في نوكس مانجمنت، في بيان تلقى مرصد المستقبل نسخة منه، إن «مطاعم الكويت كانت تستورد أغلب الخضروات الورقية والأعشاب من أوروبا، في حين يقيم المشروع سلسلة توريد زراعي محلية، توفر التكاليف والخدمات اللوجستية، وتقلل النفايات، وتقدم طريقة زراعية أكثر رفقًا بالبيئة، وهي كفيلة بإثراء تجارب المستهلكين وتزويدهم بمنتجات أكثر نضارة ولذة.»
وتقلل المزرعة استخدام الطاقة بنسبة تصل إلى 40%، مقارنة بأنظمة الزراعة العمودية الأخرى، بفضل غرف مناخية طورتها شركة فيزمان، قادرة على ضبط البيئة المناخية الداخلية.
ويعتمد تشغيل المزرعة على نظام آند إفر كلاود، الذي طورته شركة آند إفر، باستخدام منصة هانا للحوسبة، ومنصة إس إيه بي السحابية، ما يسمح بمراقبة مئات نقاط البيانات عن صحة المزروعات وتدفق الهواء والضوء ومستويات ثاني أكسيد الكربون والرطوبة ودرجة الحرارة آليًا، لتحليل البيانات وتعديلها فورًا.
الزراعة العضوية
والزراعة العضوية هي نظام زراعي مراعي للبيئة وفق ضوابط لاستخدام الأسمدة البيولوجية المستمدة من النفايات الحيوانية والنباتية ومحاصيل تثبت النيتروجين، بعيدًا عن استخدام المبيدات الكيميائية والأسمدة الصناعية كما درجت الزراعة التقليدية.
وتقلل الزراعة العضوية من تآكل التربة ومن ترشيح النترات إلى المياه الجوفية والمياه السطحية، وتساهم أيضًا، بإعادة تدوير النفايات الحيوانية، وتقلل انبعاثات الغازات الدفيئة والاحترار العالمي.
وسيكون التحدي الذي يواجه الزراعة العضوية في المستقبل هو الحفاظ على منافعها البيئية وزيادة الغلات وتخفيض الأسعار مع مواجهة تحديات تغير المناخ وزيادة عدد سكان العالم.
وتطورت مفاهيم الزراعة العضوية أوائل القرن العشرين، وتعززت طرائقها مع الزمن، وازدادت مبيعاتها أواخر القرن العشرين، وتعزز الوعي البيئي إلى جانب المخاوف بشأن الآثار الصحية لمخلفات المبيدات واستهلاك المحاصيل المعدلة وراثيًا ونمو القطاع العضوي.
وبرز خلال الأعوام الأخيرة توجه عالمي رسمي للتصدي للكيماويات في طرق الزراعة التقليدية، وتتصدى المعايير العضوية في الاتحاد الأوروبي لاستخدام مبيدات الآفات الاصطناعية والأسمدة والإشعاع المؤين والنباتات أو المنتجات المعدلة وراثيًا، وفي الاتحاد الأوروبي تنفذ هيئات الرقابة العضوية المعتمدة التفتيش العضوي.
والمبيدات العضوية مشتقة من مصادر طبيعية، وتشمل الكائنات الحية؛ مثل البكتريا المُستخدَمة للسيطرة على الآفات؛ على غرار اليرقات القارضة، أو مشتقات النباتات، ويُسمَح أيضًا، باستخدام المبيدات غير العضوية القائمة على المعادن؛ مثل النحاس والكبريت.
الزراعة المائية
وفي ظل شح المياه وتقلص المساحات القابلة للزراعة في مناطق عدة حول العالم، تبرز أهمية تقنية الزراعة المائية، لتشكل حلًا محتملًا يتصدى لتحديات الأمن الغذائي والمائي، وداعمًا أساسيًا للاقتصادات المحلية.
وتعاني مخزونات المياه الطبيعية في مختلف مناطق العالم من استنزاف مستمر، وتصنف المنطقة العربية ضمن المناطق شحيحة المياه، في ظل ارتفاع حرارة صحاريها. وانخفضت كمية المياه العذبة المتاحة في المنطقة بنسبة 60% خلال 40 عامًا الأخيرة ومن المتوقع أن تنخفض بنسبة 50% بحلول العام 2050. وفي هذا الإقليم، تستأثر الزراعة بنسبة 85% من هذا الاستخدام، ومن المرجح أن تعاني من أكبر نقص. وقد تكون العواقب على سبل العيش، والاقتصادات، والأمن الغذائي في المناطق الريفية خطيرة. وفي هذا السياق، فإن توفير المياه ليس مجرد ممارسة جيدة، بل قد تصبح الممارسة الوحيدة في القريب العاجل؛ وفقّا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو.)
تجارب عربية
وشهدت المنطقة العربية تجارب ناجحة في الزراعة العمودية والمائية، وتدفع أرقام الاستيراد المرتبطة بالمواد الغذائية التي تصل إلى 90% والمشكلات المرتبطة بندرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة، دول المنطقة لتعزيز مثل هذا التوجه؛ وفي هذا الإطار، أطلقت مدينة دبي الصناعية، أواخر العام 2019، مزرعة عمودية بمساحة 4600 متر مربع، وبقدرة إنتاج تصل إلى 3500 كيلوجرام يوميًا من نحو 30 نوعًا من الفاكهة والخضروات، وذلك بالتعاون مع مزارع بادية؛ الشركة المتخصصة في مجال التقنيات الزراعية.
وتمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة عددًا من المزارع العمودية المُعتمِدة على تقنيات الزراعة المائية والزراعة دون تربة. وتسعى الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي في الإمارات إلى تطوير منظومة شاملة تقوم على أسس تمكين إنتاج الغذاء المستدام، تتضمن 38 مبادرة رئيسة قصيرة وطويلة المدى، ضمن رؤية العام 2051، وأجندة عمل العام 2021.
وتشير تقارير إلى أن دولة الإمارات تقود التوجه نحو هذا النوع من الاستثمارات مع الإعلان، حديثًا، عن عدد من المشاريع الرائدة. وسط توقعات بنمو القطاع في منطقة الخليج العربي عمومًا ليصل إلى 1.21 مليار دولار بحلول العام 2021 وبمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 26.4%.
وخصصت وزارة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات 12 مزرعة عمودية لإحدى الشركات الرائدة في المجال، وتعمل شركة طيران الإمارات على تدشين أكبر مزرعة عمودية في العالم بالشراكة مع مجموعة ون هولدنجز.
وفي الجزائر؛ صمم الباحث الجزائري الدكتور جلول عبد العالي وزميله عمريو عبد الباسط، بيتًا بلاستيكيًا ذكيًا، يُتحكَّم به آليًا عن بعد، لإدارة معظم العوامل المناخية المؤثرة على نمو النباتات والحيوانات؛ مثل الرطوبة ودرجة الحرارة وشدة الضوء ونوعيته. وزود الباحثان البيت البلاستيكي بالطاقة الشمسية، وكاميرا لمراقبة وتسجيل جميع أطوار نمو النباتات والحيوانات داخله. ويعتمد المشروع على نظام زراعة الهيدروبونيك؛ الزراعة خارج التربة، القائمة على زراعة بذور النبات أو الشتلات في محلول مائي مغذ، يحتوي على عناصر أساسية يحتاجها النبات، وتتراوح بين 12 و16 عنصرًا، أو زراعة النبات في مادة صلبة خاملة، لا تتفاعل مع المحلول المغذي للنبات. وبهذه الطريقة يُستغنى عن اللجوء إلى استخدام مخصبات كيمائية يتسرب منها -عادةً- الفائض عن حاجة النبات، وتحمي زراعة الهيدروبونيك، النبات من آفات قد تهاجمه من خلال التربة، كما يحدث في الزراعة التقليدية.
The post للمرة الأولى: افتتاح مزرعة عمودية ذكية في الكويت قائمة على الزراعة العضوية appeared first on مرصد المستقبل.