ضربت جائحة كوفيد-19 دولًا عديدة، وما زال أغلبها يكافح للسيطرة عليها. لكن مجموعةٌ أخرى من الدول، مثل كوريا الجنوبية وألمانيا ونيوزيلندا وتايوان نجحت في خفض أعداد الوفيات لأنها أعدت بنية تحتية جيدة. والسؤال إذن، ما الدروس المستفادة من الجائحة الحالية لمواجهة الجوائح المستقبلية بكفاءة أعلى؟
على الرغم من أن أغلب الاهتمام العلمي حاليًا ينصب على تطوير لقاح فعال، فإن الاهتمام بدراسة الجائحة ازداد مؤخرًا للاستفادة من نتائج ذلك في توقع الجائحة المقبلة قبل حدوثها. وتجمع هذه الدراسات بين النمذجة الوبائية المتقدمة والبيانات الضخمة، ويشكل أمرًا حيويًا لحياة الأجيال المقبلة. وينادي متخصصون كثر في المجتمع العلمي بالاتفاق على جهود عالمية معينة لتتبع الفيروسات الجديدة. وركزت مبادرات عالمية، مثل مشروع جلوبال فيروم، على رصد الأمراض الجديدة ومواجهة الجوائح المستقبلية، لكن العالم ما زال يفتقر إلى نظامٍ معتمد للتصدي للجوائح.
وقال مايكل سي. لو في مقالٍ في صحيفة واشنطن بوست أن الأمر يشبه عمليات رصد الزلازل والتسونامي، فوجود نظام إنذار مبكر يساعد في اكتشاف الجائحة مبكرًا للتصدي لها سريعًا قبل تفشيها. وعلى هذا النظام أن يمزج بين المعلومات الحيوانية والذكاء الاصطناعي والاختبارات الطبية للأمراض.
وقد تعتمد الأنظمة المقترحة على بيانات حركة الناس، كتلك المرصودة على وسائل الاتصال الاجتماعي والهواتف النقالة والأقمار الاصطناعية، لتقديم معلومات لحظية عن أنماط السفر واكتشاف الفئات المعرضة للخطر. وذكرت كارولين بوكي في دورية ذا لانست أن مصادر البيانات الحديدة لا تقتصر على البيانات الضخمة الملتقطة من الهواتف النقالة فحسب، بل تتضمن أيضًا بيانات بيئية مفصلة، ومعلومات البحث على شبكة الإنترنت والبيانات الوراثية لمسببات الأمراض لرصد حالات الطوارئ التي تتطور سريعًا.
سيلعب الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة دورًا حاسمًا في رصد الجوائح المقبلة والتعامل معها. فربما تستخدم الحكومات، بعد عشرة أو عشرين عامًا، بيانات جائحة كوفيد-19 لتدريب النماذج التي تمنع تفشي جائحةٍ جديدة. وقد تستخدم هذه الأدوات أيضًا لتقديم رعاية طبية شخصية أفضل. وذكر ثيودوروس إيفجينيو الكاتب في دورية هارفارد بيزنس ريفيو، أن أنظمة توقع المخاطر السريرية قد تفيد في تعديل السياسات وحسن استخدام الموارد، ومن ذلك مثلًا تحسين فعالية التباعد الاجتماعي وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر.
وعلى الحكومات التأكد من فعالية قوانينها وشروطها الصحية وكفاءتها في التعامل مع الجوائح الفيروسية سريعًا. فمثلًا نجحت كوريا الجنوبية في اعتماد أدوات الكشف عن كوفيد-19 بسرعة بفضل عملية الاعتماد الطارئ التي أقرتها في العام 2015 بعد تفشي فيروس ميرس، بالإضافة إلى الشبكة الواسعة من المختبرات التي شيدتها حينذاك وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال. وتعاملت ألمانيا مع الأمر بسرعة أيضًا من خلال السماح الفوري للمختبرات في جميع أنحاء البلاد بتطوير أدوات للكشف عن الفيروس. لكن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة لم تسمحا سوى لعددٍ قليل من المؤسسات بتطوير هذه الاختبارات.
نجحت الدول التي لديها نظام صحي واحد في جمع كميات ضخمة من البيانات. فمثلًا، لعب نظام الرعاية الصحية الوطني المعتمد على الرقمنة دورًا حاسمًا في تايوان. فالمواطنون يحملون بطاقات ذكية تساعد الأطقم الطبية في معرفة تاريخهم المرضي. واستفادت القيادة المركزية للأوبئة في تايوان من البيانات التي يجمعها نظام الرعاية الصحية الوطني ووكالات الهجرة والجمارك. وذكر مجموعة من خبراء الصحة العامة في تايوان لدورية بريتش مديكال جورنال أن هذه البيانات قدمت للأطقم الطبية معلومات عن سجل سفر المرضى ووظائفهم ووجودهم في التجمعات ما عزز سرعة التشخيص ودقته.
استخدمت دولٌ عديدة تطبيقات تتبع جهات الاتصال في الحد من تفشي كوفيد-19.فمثلًا استخدمت سنغافورة تطبيق تريس توجيزر، وهو أحد أقدم تطبيقات تتبع جهات الاتصال، بالإضافة إلى الأجهزة القابلة للارتداء خاصةً في حالة كبار السن الذين لا يستخدمون الهواتف الذكية. وطورت الصين وهونج كونج وتايوان وكوريا الجنوبية تطبيقات جديدة لتتبع جهات الاتصال.
ولا يوجد نظام عالمي معتمد لمواجهة الجوائح حتى الآن، وكشفت الدراسة التي نشرتها دورية ذا لانست أن 43% من الدول فحسب مستعدة لمواجهة جائحة جديدة. ولذا يجب توحيد جهود الحكومات والمجتمع العلمي، على المستويين الوطني والعالمي، لوضع هذه الاستراتيجيات.
بقلم أمريتا خالد
The post لماذا ستكون البيانات الضخمة اللقاح الأكثر فعالية ضد الجائحة المقبلة؟ appeared first on مرصد المستقبل.