خلال صيف عام 1940، وجدت بريطانيا نفسها في وضع لا تُحسد عليه. فعلى إثر انسحاب دونكيرك (Dunkirk) وهزيمة فرنسا واستسلامها بشكل رسمي عقب توقيعها على هدنة 22 يونيو 1940، وجدت بريطانيا نفسها وحيدة في مواجهة النازيين الذين باشروا بداية من شهر سبتمبر من نفس السنة بشن غارات جوية مكثفة على المدن البريطانية، وخاصة العاصمة لندن التي دمّر جانب هام من مرافقها وقتل الآلاف من سكانها.
وفي خضم هذه الأحداث، تحوّل الألمان والنمساويون والإيطاليون المقيمون ببريطانيا لأعداء محتملين للبلاد حيث شككت السلطات البريطانية حينها في إمكانية تعامل وتخابر هؤلاء الأشخاص ذوي الأصول الأجنبية مع العدو. وأملا في قطع كافة الشكوك حول هذا الموضوع، لم تتردد بريطانيا في اعتماد سياسة مراكز الاعتقال الجماعية حيث وافق المسؤولون حينها على إرسال عدد من المشتبه بهم نحو مراكز الاعتقال سعياً لإبقائهم تحت المراقبة.
معاملة قاسية وترحيل
إلى ذلك، باشرت السلطات البريطانية بعملية استجواب نحو 70 ألفاً من المقيمين الحاملين للجنسيات الألمانية والنمساوية والإيطالية. وبناء على معطيات تلك الفترة، كانت غالبية هؤلاء المستجوَبين من اليهود والمعارضين الألمان الذين غادروا بلدانهم هربا من النازيين.
وقد أسفرت عمليات الاستجواب حينها عن اعتقال الآلاف من المشتبه بهم الذين أرسلوا بادئ الأمر نحو معسكرات اعتقال قبل أن ينقلوا فيما بعد لمناطق أخرى خارج بريطانيا تزامناً مع تواصل الغارات الألمانية التي شنها سلاح الجو الألماني، المعروف باللوفتفافه (Luftwaffe)، على المدن البريطانية.
يوم 10 يوليو 1940، غادرت السفينة آيتش أم تي دونيرا (HMT Dunera) ميناء ليفربول لتتجه صوب أستراليا حاملة على متنها أكثر من 2500 شخص كان من ضمنهم نحو 450 من أسرى الحرب الألمان والإيطاليين إضافة لحوالي ألفين من المعتقلين الآخرين، من بينهم عدد كبير من اليهود الألمان من أمثال والتر فرويد حفيد الطبيب الشهير سيغموند فرويد، وهم مصنفون كأعداء محتملين.
وعلى حسب هذه المعطيات، حمّلت هذه السفينة بضعف طاقة استيعابها حيث كانت في الأصل مخصصة لنقل 1600 شخص فقط.
إلى ذلك، واجه المعتقلون، المقدر عددهم بنحو 2500 شخص، على متن آيتش أم تي دونيرا معاملة قاسية من قبل الحراس كما اضطروا للتكدس بمناطق ضيقة داخل السفينة وخصصت لهم 10 مراحيض فقط.
مراكز اعتقال بأستراليا
قرب البحر الأيرلندي، اعترضت غواصة ألمانية سفينة آيتش أم تي دونيرا وأصابتها بطربيد لم ينفجر لحسن حظ راكبيها. في الأثناء، شهدت الأيام السابقة كارثة بحرية مشابهة حيث أصابت غواصة ألمانية سفينة بريطانية أخرى محملة بالمعتقلين وأغرقتها متسببة في وفاة ألف من ركابها.
وعقب رحلة مريرة استمرت 57 يوماً، وجد المعتقلون أنفسهم بملبورن (Melbourne) بأستراليا. وهنالك، بدأت صفحة أخرى من معاناتهم حيث أرسلوا جميعا نحو مراكز اعتقال بمناطق نائية من نيوساوث ويلز، حيث عوملوا بقسوة بسبب اتهامهم بمناصرة هتلر وموسوليني.
مقاتلون بجيش أستراليا
خلال الأسابيع التالية، أثارت قصة المعتقلين الذين نقلوا لأستراليا والمعاملة القاسية التي تعرضوا إليها غضب البريطانيين الذين عارضوا مثل هذه الممارسات في حق أشخاص لم تثبت إدانتهم واتهموا رئيس الوزراء ونستون تشرشل بالقيام بممارسات هتلرية.
وأملا في درء الفضيحة، قررت السلطات البريطانية تغيير سياستها مع المشتبه بهم بالتخابر مع الألمان وأرسلت أحد المسؤولين العسكريين لأستراليا للإشراف على إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين.
وبينما عاد أغلب هؤلاء المعتقلون لبريطانيا، فضّل نحو ألف منهم البقاء بأستراليا فالتحقوا بجيشها وقاتلوا لجانبها على ساحة المحيط الهادئ ليحصلوا على إثر ذلك على الإقامة الدائمة بها.