لماذا كرمت فرنسا مؤلف نشيدها بعد 79 عاما على وفاته؟

يصنف النشيد الوطني للجمهورية الفرنسية لامارسييز (La Marseillaise) كواحد من أقدم وأشهر الأناشيد الوطنية بفترتنا الحالية، حيث يعود تاريخ ظهوره للعام 1792 أي في خضم أحداث الثورة الفرنسية.

وقد اعتمدت لامارسييز لأول مرة كنشيد رسمي لفرنسا يوم 14 تموز/يوليو 1795 من قبل أعضاء المؤتمر الوطني، إلا أنه ومع قدوم نابليون بونابرت الذي نصّب نفسه إمبراطورا على فرنسا وأعلن قيام الإمبراطورية، ألغي هذا النشيد عام 1804 قبل أن يعتمد مجددا وبشكل نهائي سنة 1879 أثناء فترة الجمهورية الثالثة.

ووضع كلمات النشيد الفرنسي الشاعر والموسيقي كلود جوزيف روجيه دي ليزلي (Claude Joseph Rouget de Lisle)، المولود يوم 10 أيار/مايو 1760 بإقليم جورا والمتخرج من المدرسة الملكية للمهندسين بميزيير، كتكريم لجيش الراين سنة 1792 بستراسبورغ عقب إعلان فرنسا الحرب على النمسا.

نشيد الحرب لجيش الراين

الحكاية بدأت من مطلع أيار/مايو 1791، حين تواجد كلود جوزيف روجيه دي ليزلي ضمن الفرق العسكرية الفرنسية المتمركزة بستراسبورغ، وهناك تعرّف الأخير على عمدة المدينة فيليب فريدريك ديتريش (Philippe-Frédéric de Dietrich) الذي تابع المواهب الفنية لدي ليزلي وطلب منه إعداد أناشيد وطنية لدعم الثورة الفرنسية والجيش الفرنسي خلال حروبه ضد القوى الأوروبية والملكيين، الموالين للويس السادس عشر، الفارين من البلاد.

واحتفالا بالدستور، ألّف كلود جوزيف روجيه دي ليزلي نشيد الحرية يوم 25 أيلول/سبتمبر 1791. وفي يوم 25 نيسان/أبريل 1792، كتب دي ليزلي كلمات نشيد الحرب لجيش الراين (Chant de guerre de l'Armée du Rhin) الذي تحوّل فيما بعد لنشيد لامارسييز واعتمد كنشيد وطني لفرنسا. وخلال اليوم التالي، أنشد عمدة ستراسبورغ فيليب فريدريك ديتريش هذا النشيد بمنزله أمام عدد من الحاضرين الذين سرعان ما انبهروا بكلماته.

أمام إعلان "الوطن في خطر" من قبل المؤتمر الوطني، حلّت القوات الفيدرالية من بقية الأقاليم الفرنسية للدفاع عن باريس، وفي طريقهم نحو العاصمة، أنشد الفيدراليون المارسيليون هذا النشيد الذي ألّفه دي ليزلي ونشروه أينما حلّوا.

بسبب ذلك، تحوّل هذا النشيد للوهلة الأولى لنشيد مسيرة المارسيليين قبل أن يصبح فيما بعد لامارسييز.

فقير معدوم.. لفتة من الملك

وعلى الرغم من هذا الإسهام الكبير في الثورة وبصمته الخالدة في تاريخ فرنسا، عرف كلود جوزيف روجيه دي ليزلي حياة صعبة، فبسبب آرائه المعارضة لسجن وإعدام الملك لويس السادس عشر، اتهم الشاعر الفرنسي بالتعاطف مع الملكيين فسجن وكاد أن يعدم بالمقصلة كصديقه عمدة ستراسبوغ الذي قطع الثوار رأسه بباريس يوم 29 كانون الأول/ديسمبر 1793.

وفي سنة 1804، عارض دي ليزلي بشدة إعلان نابليون بونابرت نفسه إمبراطورا على فرنسا وراسله ودعاه لعدم جر البلاد للهلاك. وأثناء فترة الإمبراطورية، أدار دي ليزلي مؤسسة غذائية اختصت في إعداد الطعام للجيش.

خلال السنوات التالية، حاول الشاعر تأليف أناشيد أخرى شبيهة بلامارسييز إلا أنه فشل في ذلك حيث لم تلقى أناشيده الجديدة رواجا كبيرا كما رفض الملك لويس الثامن عشر، الذي عاد لفرنسا عقب رحيل بونابرت، اعتماد إحداها نشيدا للبلاد.

إلى ذلك، أفلس دي ليزلي وعانى من ويلات الفقر وسجن سنة 1826 بسبب تراكم ديونه.

وبداية العام 1830، حظي الأخير بلفتة من الملك لويس فيليب الأول (Louis Philippe I) الذي وفّر له معاشا قدّر في البداية بنحو 1500 فرنك.

أمام هذه الظروف الصعبة، فارق مؤلف النشيد الوطني الفرنسي الحياة يوم 26 حزيران/يونيو 1836 عن عمر يناهز 76 عاما فدفن بادئ الأمر بأرض مملوكة لصديقه بمدينة تياس (Thiais) قبل أن يكرّم يوم 14 تموز/يوليو 1915 وتنقل رفاته نحو ليزانفاليد (Invalides) بباريس.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: