عقب رفض مطالبه بالحصول على جانب من الأراضي الفنلندية الحدودية والمطلة على البلطيق لتأمين لينينغراد، أعلن الاتحاد السوفيتي يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1939 عن بدء عملية عسكرية ضد فنلندا. ومع بداية هذه الحرب التي لقبت بحرب الشتاء، آمن القائد السوفيتي جوزيف ستالين بحتمية انتصار الجيش الأحمر وحسمه للمعركة في غضون فترة لا تتعدى الأسبوعين بفضل التفوق العددي والتقني لقواته.
في الأثناء، تفاجأ السوفيت بمقاومة شرسة من قبل الفنلنديين كبدتهم خسائر جسيمة وحرب طويلة استمرت لأكثر من 3 أشهر لم يحقق أثناءها الجيش الأحمر تقدما عسكريا ملموسا. ومع تواصل القتال وتراجع كمية العتاد العسكري والذخيرة لديهم، أجبر الفنلنديون على الجلوس لطاولة المفاوضات بحثا عن اتفاقية سلام ملائمة مع الجانب السوفيتي.
نفاد الذخيرة
يوم 31 يناير 1940، تلقى الفنلنديون أول عرض سوفيتي لفتح مفاوضات سلام بهدف إنهاء حرب الشتاء. وخلال هذا العرض الأول، قدّم السوفيت شروطا عديدة تجاوزت تلك التي طالبوا بها قبل بداية الحرب حيث طالب ستالين حينها بتسليمه البرزخ الكاريلي ومدينة فيبورغ (Vyborg) إضافة للشواطئ الفنلندية المطلة على بحيرة لادوغا وتأجير شبه جزيرة هانكو (Hanko) للبحرية السوفيتية لمدة 30 عاما.
في البداية، رفض الفنلنديون هذه الطلبات السوفيتية تزامنا مع توافد كميات هامة من العتاد العسكري والدعم الأجنبي على بلادهم. فضلا عن ذلك، تفاءل المسؤولون السياسيون بالبلاد بإمكانية تدخل عسكري بريطاني فرنسي لصالحهم تزامنا مع سماعهم باستعداد هاتين الدولتين لإرسال ما يزيد عن 100 ألف مقاتل لدعم الفنلنديين.
وأواخر شهر شباط/فبراير عام 1940، تضاءلت فرص الفنلنديين في الصمود أكثر أمام السوفيت تزامنا مع بداية نفاذ الذخيرة وتراجع الدعم الأجنبي. أيضا، وصف المارشال الفنلندي كارل غوستاف إيميل مانرهايم (Carl Gustaf Emil Mannerheim) الوضع على الجبهة بالهش وعبر عن قلقه من إمكانية انهيار الجيش الفنلندي في أية لحظة.
اتفاقية سلام مذلة
يوم 6 آذار/مارس 1940، حل رئيس الوزراء الفنلندي ريستو ريتي (Risto Ryti) بموسكو لمناقشة بنود اتفاقية السلام مع الجانب السوفيتي. وفي خضم المفاوضات، حقق الجيش الأحمر تقدما ملموسا تمكن خلاله من محاصرة فيبورغ (Vyborg).
بساعة متأخرة من يوم 12 آذار/مارس 1940، وقع السوفيت والفنلنديون اتفاقية سلام موسكو التي أكدت على ضرورة وقع إطلاق النار بحلول الساعة الحادية عشرة من اليوم التالي.
وبموجب هذه المعاهدة حصل السوفيت على ما يقارب نصف منطقة كاريليا الفنلندية إضافة لمناطق كاكيسالمي (Käkisalmi) وسورتافالا (Sortavala) وسويارفي (Suojärvi) وخليج فيبورغ وجزره. وعلى حسب التقديرات، خسرت فنلندا حينها ما يعادل 9 بالمائة من مساحتها لصالح السوفيت وأجبرت فيما بعد على إجلاء نحو 422 ألفا من سكانها نحو المناطق الداخلية.
أيضا، تخلى الفنلنديون عن مناطق من سالا (Salla) لصالح السوفيت وقبلوا حسب معاهدة موسكو بمنح شبه جزيرة هانكو للبحرية السوفيتية لاستغلالها كقاعدة عسكرية لمدة 30 عاما مقابل مبلغ قارب 8 ملايين مارك.
بموجب هذه المعاهدة الموقعة بموسكو يوم 12 آذار/مارس 1940، حصل السوفيت على مكاسب فاقت تلك التي طالبوا بها مطلع الحرب. وبسبب هذه الشروط المذلة، اتجه الفنلنديون عقب حرب الشتاء لطلب المساعدة من الألمان لتتجدد بذلك المعارك مع الجانب السوفيتي خلال شهر حزيران/يونيو 1941 تزامنا مع بداية الاجتياح الألماني للأراضي السوفيتية.