عقب استسلام فرنسا خلال شهر حزيران/يونيو 1940، وجّه النازيون أنظارهم نحو منطقة جبل طارق، التابعة للبريطانيين منذ مطلع القرن 18، الواقعة بأقصى جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية. فخلال أحد الاجتماعات، دعا قائد سلاح الجو الألماني هرمان غورينغ (Hermann Göring) الزعيم النازي أدولف هتلر لاحتلال إسبانيا وشمال إفريقيا بدلا من البحث عن طريقة لغزو بريطانيا.
وقد استحسن بعض من كبار جنرالات الجيش الألماني من أمثال هانز غودريان (Heinz Guderian) وألفرد جودل (Alfred Jodl) هذه الفكرة مؤكدين على أهمية حصول الألمان على جبل طارق والمستعمرات الفرنسية بشمال إفريقيا وقناة السويس لعزل بريطانيا بشكل نهائي عن مستعمراتها بالشرق وإجبارها على الاستسلام للألمان.
لجنة من العسكريين الألمان
خلال شهر تموز/يوليو 1940، حددت قيادة الجيش الألماني برنامجا للسيطرة على جبل طارق. ولإعداد الخطة الملائمة، شكّل المسؤولون الألمان لجنة من العسكريين وكلفّوا قائد جهاز أبوهر (Abwehr) للاستخبارات العسكرية الأميرال فيلهلم كاناريس (Wilhelm Canaris)، المختص في الشأن الإسباني، بمهمة السفر لإسبانيا لإقناع المسؤولين الإسبان، وحلفاء هتلر السابقين بالحرب الأهلية الإسبانية، بضرورة التحاق بلادهم بدول المحور وإعلان الحرب على بريطانيا. أيضا، حمل كاناريس على عاتقه مهمة الاقتراب، رفقة عدد من الخبراء العسكريين الألمان، من منطقة جبل طارق لدراسة طبيعتها الجغرافية وتحديد لوازم اجتياحها.
ومع حلوله بإسبانيا، التقى فيلهلم كاناريس بالدكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو (Francisco Franco) وبوزير دفاعه جوان فيغون (Juan Vigón) قبل أن يعود لألمانيا ليطلع هتلر على فشل المفاوضات ورفض إسبانيا دخول الحرب.
معلومات خاطئة لإفشال الغزو
إلى ذلك، لعب الأميرال الألماني فيلهلم كاناريس دورا هاما في إقناع الإسبان بعدم دخول الحرب العالمية الثانية لجانب هتلر. فمنذ أواخر الثلاثينيات، تحوّل كاناريس لأحد أبرز معارضي نظام هتلر واستغل منصبه خلال الحرب العالمية لينظم حركة مقاومة سرية ضد النازيين لإفشال مخططاتهم.
ومع انتقاله لإسبانيا، حذّر كاناريس الدكتاتور فرانكو ووزير خارجيته رومون سيرانو سونر (Ramón Serrano Suñer) من مغبة مساندة النازيين مؤكدا على حتمية هزيمة ألمانيا بالحرب العالمية الثانية. أيضا، أثار كاناريس خوف المسؤولين الإسبان بحديثه عن تأخر إسبانيا العسكري مقارنة ببريطانيا وعن إمكانية توجيه البريطانيين لضربات جوية مكثفة للمدن الإسبانية التي عانت من خراب واسع أثناء فترة الحرب الأهلية.
وعند عودته لألمانيا، نقل كاناريس معلومات خاطئة عن غزو جبل طارق. فبينما أكد عسكريون ألمان في السابق عن حاجتهم لفرقتي مشاة و3 فرق مهندسين إضافة لنحو 12 كتيبة مدفعية لإتمام المهمة، تحدّث كاناريس عن التضاريس الوعرة لجبل طارق واستحالة حصول الألمان عليها دون استخدام عدد كبير من فرق المشاة ومدافع عملاقة عيار 380 ملم.
فشل المفاوضات
في الأثناء، حاول سفيرا كل من ألمانيا وإيطاليا بمدريد إقناع فرانكو بضرورة دخول الحرب العالمية الثانية لجانب دول المحور. وأمام تزايد الضغوطات، رفض فرانكو الرضوخ للمطالب الألمانية الإيطالية مؤكدا على معاناة إسبانيا من نقص حاد في المواد الغذائية وانهيار بنيتها التحتية. من جهة أخرى، تخوّف الدكتاتور الإسباني من غزو ألماني لبلاده في حال رفضه الالتحاق بدول المحور. إلا أنه اطمأن عقب حصوله على معلومات من كاناريس حول استحالة قيام هتلر بأية عملية عسكرية ضد إسبانيا بسبب تحضير النازيين لتدخل عسكري ضد الاتحاد السوفيتي.
لاحقا، أعدّ النازيون خطة عسكرية أطلقوا عليها اسم فيليكس (Felix) لغزو جبل طارق. ويوم 23 تشرين الأول/أكتوبر 1940، التقى أدولف هتلر بفراسيسكو فرانكو بمدينة هنداي (Hendaye) لإقناعه بضرورة طرد البريطانيين من جبل طارق.
وأثناء هذا اللقاء، قدّم فرانكو شروطا تعجيزية للألمان مقابل دخول بلاده الحرب. وبسبب ذلك، فشلت المفاوضات مجددا بين الطرفين وغادر هتلر الاجتماع غاضبا. وعن لقائه هذا بفرانكو قال هتلر ساخرا " أفضل أن تقتلع ثلاثة أو أربعة من أسناني على أن ألتقي به مجددا".