خبر هذه اللوحة التي رسمها طفل هندي، كان في 2016 بعمر 12 سنة تقريباً، قديم بعض الشيء. مع ذلك، لم يعبر حدود الهند إلى القارئ العربي والأجنبي بما يستحق، لذلك تأتي "العربية.نت" على ذكره الآن مع اقتراب "يوم الأم" المصادف بعد أسبوعين في أول يوم من فصل الربيع، أي في 21 مارس الجاري، لأن للوحة التي نجد راسمها في الفيديو المعروض، علاقة وثيقة بالأم ويومها الشهير.
نعود 5 سنوات إلى الوراء، إلى بلدة اسمها Thrissur في ولاية "كيرالا" الساحلية بالجنوب الغربي الهندي، وبالذات إلى بيت عائلة هندية، اعتاد أحد أطفالها، وهو Anujath التلميذ بالصف التاسع، أن يسمع والده Vinaylal يقول حين يشكو حاله لصديق أو لأحد الجيران، إنه يعمل ويكد ويتعب طوال النهار، بينما زوجته Sindhu لا تفعل شيئا، سوى التواجد في البيت بلا أي إنتاج.
إلا أن "أنوجاث" لم يكن مقتنعا بما يقوله أبوه عن والدته، لأنه كان يراها تشقى وتتعب في البيت، بلا معين، فهي بحسب ما تلخص "العربية.نت" مجمل عملها، تغسل ملابس زوجها وأولادها وتنشرها على الحبال لتجف، ثم تقوم بكيّها، وتمضي بعدها لتطبخ وتعد الطعام، وتغسل أواني المطبخ وغيرها، وتكنس وتمسح الأرض، وتخرج أحيانا لتملأ الجرة بالماء من بئر قريبة، وإذا احتاجت ما ينقص تشتريه من بائع متجول بالحي، وحين تجد شيئا تعطل تسرع لإصلاحه بنفسها، وإذا جاع رضيعها ترضعه، وفوق ذلك تلاعب بقية أطفالها وتسليهم بما تيسر، وترعى شؤونهم.
"أمي، وأمهات الحي"
وفي يوم من الأيام، قرر "أنوجاث" أن يراقب أمه ويدقق بها أكثر، ليرسم بألوان الماء كل ما تقوم به من عمل، لأنه هاو كبير للرسم، فانكب يقوم بما قرر، ومع الوقت ولدت من ريشته لوحة ضاقت بما رسم فيها مما تقوم به أمه "سيندو" من عمل يومي، ينتهي بعودة الأب عند الغروب ليرى أن كل شيء في البيت معد لإسعاده، من دون أن يعير انتباها لتفاصيل ما تقوم به زوجته من عمل شاق، ولما انتهى الابن من الرسم سمى اللوحة "أمي، وأمهات الحي" واحتفظ بها.
من يدقق باللوحة وكل مشهد فيها، سيرى الأم "سيندو" تطعم ما لدى البيت من حيوانات داجنة، دجاج وبقرة وكلب وقطة، ونراها تمد عصا إلى أعلى شجرة جوز هند، لتسقط إليها شيئا منها، أو لتطرد طيرا أراد السطو على شيء جمعته من البرية. كما نراها جالسة أحيانا تصفف شعر ابنتها الصغيرة، أو تمد العجين في الزاوية السفلى إلى يسار اللوحة، لتخبز في فرن، ناره من حطب مشتعل.
عمر الفرحة كان قصيراً جداً
بقيت اللوحة محفوظة في البيت أكثر من عامين، إلى أن علم Anujath بمسابقة شهيرة أقامتها أكاديمية Shankar للفنون، ورصدت لها جائزة إحياء لذكرى رسام كاريكاتير محلي بولاية كيرالا، فتقدم وشارك فيها بلوحته التي اكتسحت كل عمل فني آخر، وبالإجماع. إلا أن عمر الفرحة كان قصيرا جدا، فما إن علم أن الجائزة المرصودة كانت من نصيبه، حتى جاءه نعي والدته التي أراد أن يهديها الفوز لمناسبة "يوم الأم" ففارقت الحياة لعلة بقلبها.
كتبوا الكثير في الإعلام المحلي بالهند، عن Anujath Sindhu Vinaylal كما هو اسمه في مواقع التواصل، من أنه تذوق الفن منذ صغره، مع أنه لم يتعلم الرسم أو يتدرب عليه. وذكروا في ما قرأته "العربية.نت" مترجما من مواقع إعلامية هندية، أنه كان بعمر 9 أعوام حين حصل على "جائزة كلينت التذكارية الدولية" للرسم. كما جاءه تقدير في 2015 من الأمم المتحدة عن لوحة رسمها بعنوان "لدينا طاقة" تحث الشباب على العمل.
أما "أمي، وأمهات الحي" التي أرادها هدية لم تصل إلى أمه الراحلة، فجعلت ولاية "كيرالا" من صورتها غلافا لتقرير أصدرته حكومتها المحلية عن "المساواة بين الجنسين" وهو عن عام 2020- 2021 الحالي، ومن نظرة سريعة على صورة الغلاف، ندرك ما يقوله التقرير عن عمل المرأة من أنها فاعلة كالرجل وأكثر.