بالحرب العالمية الثانية، اعتمد الاتحاد السوفيتي على عدد من القادة العسكريين الذين دوّن التاريخ أسماءهم بأحرف من ذهب لمقارعة الجيش الألماني الذي حقق تقدما سريعا بالأراضي السوفيتية تزامنا مع بداية عملية بربروسا (Barbarossa).
وإضافة لأسماء مثل غيورغي جوكوف (Georgy Zhukov) وأندري يريومنكو (Andrey Yeryomenko) وسيميون تيموشينكو (Semyon Timoshenko)، يذكر التاريخ المارشال قسطنطين روكوسوفسكي (Konstantin Rokossovsky) الذي اختلفت قصته بشكل كبير عن بقية كبار العسكريين السوفيت.
فقبل أن يجد نفسه على جبهات القتال، قبع روكوسوفسكي بسجون ستالين أين عذّب بهدف انتزاع اعترافات منه حول مؤامرة داخل الجيش الأحمر ضد النظام الستاليني.
قائد بفرق الخيالة
إلى ذلك باشر روكوسوفسكي، المولود يوم 21 كانون الأول/ديسمبر 1896 بمدينة وارسو البولندية، مسيرته العسكرية ضمن فرق الخيالة بالجيش القيصري الروسي أثناء الحرب العالمية الأولى. وقد عاصر الأخير الثورتين اللتين أسفرتا عن رحيل النظام القيصري واستيلاء البلشفيين على السلطة بموسكو. ومع اندلاع الحرب الأهلية الروسية، فضّل روكوسوفسكي اللحاق بالبلشفيين إيمانا منه بضرورة تصدير الثورة البلشفية لنصرة العمال والفلاحين بالعالم.
ولحسن حظه، لم يرسل هذا العسكري للقتال بموطنه الأم بولندا ضمن الحرب السوفيتية البولندية التي اندلعت عام 1919. وبدلا من ذلك، وجد روكوسوفسكي نفسه بالجبهات عند مناطق سيبيريا والأورال في مواجهة الجيش الأبيض. وهنالك، نال هذا الشاب ترقيات عسكرية أصبح على إثرها قائدا لفرقة خيالة.
تعذيب بالسجون
في الأثناء، حافظ روكوسوفسكي على هذا المنصب المرموق بالجيش الأحمر لحين بداية فترة التطهير الكبير الستاليني بالثلاثينيات عقب حادثة اغتيال سيرغي كيروف. فخلال شهر آب/أغسطس 1937، عزل روكوسوفسكي من منصبه واعتقل من قبل السلطات الأمنية التي باشرت بتوجيه تهم الخيانة والتجسس له.
أثناء فترة التحقيق، اتهم مسؤولو المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية روكوسوفسكي بالمشاركة بمؤامرة تروتسكية، نسبة للمسؤول البلشفي السابق ليون تروتسكي، صلب الجيش الأحمر وتقديم معلومات حساسة لليابانيين. فاستنادا للقاء سابق جرى بينه وبين الكولونيل الياباني ميشيتارو كوماتسوبارا (Michitarō Komatsubara) بمنشوريا عام 1932، اتهم روكوسوفسكي بالتجسس على كبار العسكريين بالجيش الأحمر ونقل معلومات حول مواقع القوات السوفيتية شرقي البلاد. في الأثناء، نفى هذا العسكري السوفيتي كل ما نسب إليه من تهم، مؤكدا أن لقاءه مع كوماتسوبارا قد جاء ضمن مفاوضات لتبادل الأسرى.
أملا في انتزاع اعترافات منه، تعرض روكوسوفسكي لشتى أنواع التعذيب بسجون المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية حيث عمد المحققون لكسر أصابعه واقتلاع أظافره، كما أبرحوه ضربا بمناطق عدة من جسده وهو ما أدى لكسر عدد من ضلوعه وفقدانه لتسعة من أسنانه. أيضا، تعرض روكوسوفسكي للتعذيب النفسي أثناء فترة سجنه. فلمرتين، اقتيد الأخير نحو منصة الإعدام قبل أن يتم إرجاعه لزنزانته دون تنفيذ قرار رميه بالرصاص.
إسهاماته في صناعة النصر السوفيتي
بفضل جهود المارشال السوفيتي تيموشينكو، غادر روكوسوفسكي سجون المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية حيث أقنع هذا المارشال جوزيف ستالين بضرورة وجود أشخاص مثل روكوسوفسكي بالجيش الأحمر لمواجهة التهديدات الألمانية غربا.
خلال شهر آذار/مارس 1940، استعاد روكوسوفسكي مكانه بالجيش الأحمر. ومع بداية عملية بربروسا، نجح الأخير في قيادة جنوده لتحقيق نصر على الألمان عقب استعادته لمدينة يارتسيفو (Yartsevo) وتعطيله للتقدم الألماني موفرا بذلك فرصة الانسحاب لجيشين سوفيتيين قرب سمولنسك.
خلال السنوات التالية، كان روكوسوفسكي ضمن أبرز العسكريين السوفيت الذين وضعوا خطة يورانيوس (Uranus) التي أسفرت عن محاصرة الجيش السادس الألماني داخل ستالينغراد. أيضا، لعب الأخير دورا هاما في تحصين المواقع السوفيتية ضمن معركة كورسك (Kursk) مساهما بذلك في صناعة النصر السوفيتي عقب فشل الألمان في اختراق دفاعات الجيش الأحمر.
عام 1944، قاد روكوسوفسكي القوات السوفيتية بالجبهة البيلاروسية ضمن عملية باغراتيون (Bagration) التي تقدم أثناءها الجيش الأحمر حوالي 600 كلم في ضرف شهرين. وبفضل هذا الإنجاز، نال روكوسوفسكي لقب مارشال الاتحاد السوفيتي. وأثناء معركة برلين، قاد هذا المارشال عمليات عسكرية ببروسيا الشرقية أسفرت عن تحييد لواء المدرعات الألماني الثالث ومنعه من المشاركة بالمعارك داخل العاصمة الألمانية.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، تولى روكوسوفسكي قيادة فيلق الشمال السوفيتي المتواجد ببولندا قبل أن يعين فيما بعد وزيرا للدفاع بهذا البلد وهو المنصب الذي حافظ عليه لحدود عام 1956.