أدت عمليات الإغلاق في جميع أنحاء أوروبا – بهدف الحد من جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) – إلى تغيير جذري في طريقة تحركنا في جميع أنحاء العالم. وتسببت القيود المفروضة التي أجبرت الكثيرين على العمل من منازلهم وتغيير خطط إجازاتهم أو فقدان وظائفهم، إلى تراكم الغبار على ملايين السيارات في مرائبها.
لم يكن انخفاض الطلب على السيارات الجديدة أمرًا مفاجئًا؛ إذ تراجعت عمليات تسجيل السيارات الجديدة في ألمانيا -أكبر سوق للسيارات في أوروبا- في النصف الأول من عام 2020 بنسبة 35% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019، بينما تراجعت المبيعات بنسبة تاريخية بلغت 61% خلال ذروة القيود وتحديدًا في شهر أبريل/نيسان.
أما مبيعات العام 2020 في أسواق السيارات الكبرى في أوروبا في النصف الأول من عام 2020 فكان الأسوأ؛ إسبانيا (-51%) والمملكة المتحدة (-49%) وإيطاليا (-46%) وفرنسا (39%).
لكن هذا الكساد لا ينطبق على مبيعات السيارات الكهربائية التي استمرت بالنمو رغم هذه الظروف الاستثنائية. ففي ألمانيا، زادت مبيعات السيارات الكهربائية في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران من 47,584 سيارة في العام 2019 إلى 93,848 في العام 2020، مدعومة بالنمو القوي بشكل خاص للسيارات الكهربائية الهجينة. ولم تقتصر زيادة الإقبال على شراء السيارات الكهربائية على ألمانيا فحسب، بل على جميع أنحاء أوروبا، مثل فرنسا التي سجلت ارتفاعًا ملحوظًا في الإقبال خلال العام 2020.
ولعبت عوامل هيكلية متعددة دورًا أساسيًا في انخفاض مبيعات السيارات. فمثلًا، امتنعت العديد من الأسر المالكة للسيارات خلال ذروة الوباء والإغلاق عن استبدال سياراتها كالمعتاد. إضافة إلى أن الطلب على خدمات السيارات انعدم تقريبًا، وهي خدمات تطلب غالبًا للذهاب إلى العمل وإيصال الأطفال إلى دور الحضانة أو المدارس.
وأدت التغييرات الأخرى المتعلقة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) إلى اتخاذ قرارات قد تعوض جزءًا من الانخفاض في مبيعات 2020. على سبيل المثال، في حال استمر نظام العمل الحالي من المنزل، فإن الطلب على السكن بالقرب من مراكز العمل سينخفض.
فهل من المرجح أن يشتري سكان المدن الذين ينتقلون إلى أماكن أبعد سيارة جديدة؟ ربما، خاصة وأن الطلب على السيارات أكبر في المناطق الريفية منخفضة الكثافة. علاوة على أن أسعار المنازل الأرخص في المناطق الريفية تعني أقساط سداد أقل للرهن العقاري، ما يوفر للمستهلكين دخلًا أكبر قد يكون كافيًا لتغطية أقساط سيارة جديدة.
أما العوامل الصحية المؤثرة فتتعلق بالخوف الذي ولدته الجائحة من استخدام وسائل النقل العام. ويُظهر عدد من الدراسات الاستقصائية الحديثة تحولًا كبيرًا إلى استخدام وسائل النقل غير العامة، ويشمل ذلك السيارات. وقد تعود الأمور إلى سابق عهدها جزئيًا بمجرد إنتاج لقاح.
الانتقال إلى السيارات الكهربائية
تعزى أسباب انتقاء السيارات الكهربائية بشكل أكبر في الآونة الأخيرة إلى العامل الاقتصادي وعوامل أخرى مهمة. فأولاً، ازداد تنوع المركبات الكهربائية المتاحة حتى خلال الأشهر الستة الماضية، وأصبح كل طراز جديد يتماشى أكثر فأكثر مع احتياجات القيادة للعائلة النموذجية «المدى والشحن والحجم.»
وثانيًا، يعد مقتنو المركبات الكهربائية، الذين عادة ما يكونون من الشريحة الأكثر ثراء في المجتمع، أقل تأثراً بالأزمة. وتدعم أدلة كثيرة هذه الفرضية؛ ففي ألمانيا مثلًا، كان انخفاض المبيعات أقل في سوق العلامات التجارية الفاخرة.
وثالثًا، تضمنت العديد من حزم التعافي من تداعيات فيروس كورونا (كوفيد-19) الحكومية، منحًا لدعم سوق المركبات الكهربائية – كما هو الحال في ألمانيا وفرنسا – لكن جاءت هذه التغييرات متأخرة جدًا، وتحديدًا في يونيو/حزيران الماضي.
أما العامل المحتمل الأخير والأكثر أهمية والذي يؤثر على جميع جوانب السلوك والقرارات، فهو مدى تأثير تجربة فيروس كورونا وانعكاساتها على اهتمامنا بالبيئة والمجتمع. فبشكل عام، كلما زادت معرفة الناس بالبيئة واهتمامهم بها، انعكس ذلك على سلوكياتهم بشكل أكبر. ويبدو أن هذا ينطبق أيضًا على قرار انتقاء السيارات؛ إذ تظهر الأبحاث أن الوعي البيئي يزيد من فرص اختيار المشتري لسيارة كهربائية.
وعلى الرغم من شحة الدراسات التي توضح الكيفية التي تسبب بها الوباء في تغيير المواقف في أوروبا، تتوفر أدلة على أن التجربة غيرت آراء الناس عن بيئتهم الطبيعية. ولوحظ تسليط الضوء على التقدير العالي للطبيعة نتيجة لقيود الإغلاق.
ولم يقتصر التأثير على تقدير الطبيعة فحسب، بل وصل أيضًا إلى تعزيز روابط المجتمع وقيم الإيثار المتمثلة بالالتزام بالتدابير العامة من تباعد اجتماعي وارتداء للكمامات في سبيل الحد من انتشار العدوى.
The post ما علاقة فيروس كورونا بارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية؟ appeared first on مرصد المستقبل.