مع نهاية الحرب الأهلية الأميركية التي حافظت على وحدة البلاد، وأسفرت عن سقوط أكثر من 600 ألف قتيل، وجد الأميركيون أنفسهم في وضع غير مدروس. فمع هزيمة الكونفدرالية، كسب حوالي 4 ملايين من العبيد السود السابقين حرّيتهم وتخلّصوا من براثن العبودية التي جثمت على المنطقة لقرون طويلة وقد جسّد قرار عتق العبيد عن طريق التعديل الثالث عشر للدستور الأميركي ما بين عامي 1864 و1865، إلى جانب كسب حقّي المواطنة الكاملة والانتخاب، أبرز تطلعات العبيد السابقين لضمان الحرية التامة وحق تقرير المصير.
وعلى حسب ما أعلنه السياسي ذو الأصول الإفريقية المناهض للعبودية فريدريك دوغلاس خلال شهر أيار/مايو 1865، لم يكسب العبيد السود حرّيتهم بعد طالما ظلّوا مجردين من حق الاقتراع.
الجمهوريون في مواجهة الرئيس الديمقراطي
عقب حادثة اغتيال أبراهام لنكولن عام 1865، تولى الديمقراطي أندرو جونسون (Andrew Johnson) منصب الرئيس وأثار منذ الوهلة الأولى قلق نسبة كبيرة من النواب الجمهوريين بالكونغرس بسبب توجهاته المتعاطفة مع الجنوبيين ومساندي العبودية. وقد أدت سياسة جونسون ما بين 1865 و1866 لصدور قوانين عرفت بـ "قوانين السود"، فيما قيدت ولايات جنوبية حركة ذوي الأصول الإفريقية وحرمتهم من حقهم بالإدلاء بأصواتهم مشكّلة بذلك صفعة قاسية لفترة الإصلاح وإعادة الإعمار.
ومع نعته لقوانين السود بالجنوب بقوانين العبودية، مرر الكونغرس، ذو الأغلبية الجمهورية بكل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ، مطلع العام 1866 مشروع قانون الحقوق المدنية ممهداً بذلك الطريق لظهور التعديل الثالث عشر ومنح العبيد السابقين حق المواطنة.
وفي سابقة فريدة من نوعها بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية، مرر الكونغرس مشروع قانون الحقوق المدنية متخطياً حاجز الرئيس، حيث تجاوز أعضاء الكونغرس الرئيس جونسون وتجاهلوا استخدامه لحق النقض لإجهاض مشروع القانون.
وبحلول شهر آذار/مارس 1867، لم يتردد الكونغرس الأميركي مرة ثانية في تجاوز حق النقض للرئيس الديمقراطي جونسون عن طريق تمرير قانون إعادة الإعمار، معلناً بذلك عن بداية فترة صدام غير مسبوقة مع الرئاسة.
وبالعقد التالي، أقبل الأميركيون السود بكثافة على مراكز الاقتراع وساهموا في انتخاب 22 نائباً من أصول إفريقية بالكونغرس، كما لعبوا دوراً هاما في صناعة فوز الرئيس الجمهوري يوليسيس غرانت (Ulysses S. Grant) الذي انتصر على منافسه الديمقراطي هوراشيو سايمور (Horatio Seymour) بانتخابات عام 1868.
قوانين جنوبية عنصرية
بفضل التعديل الرابع عشر الذي مرره الكونغرس عام 1866 وعدّله بعد عامين، حصل جميع المولودين على الأراضي الأميركية والمجنّسين على حق المواطنة والمساواة أمام القانون. وعام 1870، مرر الكونغرس آخر القوانين الثلاثة التي منحت للعبيد السابقين أبرز حقوقهم ، وبإقرار التعديل الخامس عشر حصل جميع الأميركيين، على الرغم من اختلاف أعراقهم وألوانهم ومكانتهم الاجتماعية سابقا، على حق الانتخاب.
إلى ذلك، شهدت فترة إعادة الإعمار هيمنة البيض على مقاليد السلطة بالجنوب، حيث لم يتردد عدد هام من العنصريين في تشكيل مجموعات مسلحة مثل "كو كلوكس كلان" ومارسوا الإرهاب لمنع السود من التصويت.
من جهة ثانية، استغل عدد من المشرعين البيض بالولايات الجنوبية ثغرات بالتعديل الخامس عشر لسلب السود حق الانتخاب، فأقروا قوانين غريبة كاختبار القراءة والكتابة وضريبة الانتخاب لمنع نسبة كبيرة من السود من التوجه لصناديق الاقتراع وقد أدى ذلك لهيمنة عدد من البيض العنصريين على عدد من الولايات الجنوبية، فاتجهوا لإقرار قوانين أخرى عرفت بقونين جيم كرو (Jim Crow) التي كانت عبارة عن نظام فصل عنصري استمر لنحو قرن من الزمن.
نهاية القوانين العنصرية
وقد انتظر الجميع ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لتعرف هذه القوانين العنصرية نهايتها. فبفضل قانون الحقوق المدنية لعام 1964، عرف نظام الفصل العنصري بالمدارس والمرافق العمومية نهايته. وبفضل جهود عدد من الحقوقيين من أمثال مارتن لوثر كينغ الابن، وقّع الرئيس الأميركي جونسون عام 1965 على قانون حق الانتخاب الذي ألغى جانبا من الحيل السابقة لسلب السود حق الانتخاب من أمثال اختبار القراءة والكتابة، كما صنفت المحكمة العليا عام 1966 ضريبة الانتخاب أمرا غير دستوري. وبفضل كل هذه الإصلاحات، عرف عدد الناخبين السود ارتفاعا سريعا ومذهلا طيلة العقود التالية.