عاد مروض الأفاعي سعيد إلى مراقصتها بمزماره التقليدي في عروض فولكلورية تجذب زوار ساحة "جامع الفنا" السياحية الشهيرة في وسط مراكش، بسعادة غامرة، بعد أزمة خانقة سببتها الجائحة غيبت السياح لعامين عن المغرب.
يقول باسمًا لوكالة "فرانس برس": "كأنني أتنفس من جديد، يا لها من سعادة العودة إلى الساحة بعد أشهر قاسية"، ثم يراقص أفعى على أنغام موسيقى "الغيطة" الشعبية في بلدان المغرب العربي.
تعد المدينة الحمراء، عاصمة السياحة المغربية، مؤشرا لبدء تعافي القطاع، إذ عادت الجلبة والازدحام إلى أزقة أحيائها العتيقة ومختلف معالمها التاريخية.
خلال الفصل الأول من هذا العام، ارتفعت مداخيل القطاع السياحي بقرابة 80%، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. وهو ما يَعِد "بآفاق أكثر إيجابية للعام 2022"، وفق توقعات حديثة لوزارة الاقتصاد والمالية.
وفي حين استقبلت المملكة المغربية 13 مليون سائح في العام 2019، لم يتعد مجموع السياح الذين توافدوا إليها العام الماضي 3,7 مليون شخص. علما أن القطاع حيوي للاقتصاد المغربي، إذ مثّل 7% من الناتج المحلي في 2019.
تعافٍ "غير مكتمل"
بعد بضعة أسابيع على استئناف الرحلات الجوية الدولية مطلع فبراير، استعادت أرصفة مقاهي مراكش حيويتها في أجواء ربيعية مشمسة، كما متاجر الملابس التقليدية والحلي وتذكارات الصناعات التقليدية التي يقتنيها السياح عادة.
لكن هذه الانتعاشة "لم تصل بعد إلى مستوى ما قبل الجائحة، ولو أن الوضع يتحسن منذ نحو شهر"، وفق ما يقوله التاجر عبد الله بوعزي في أحد أسواق المدينة العتيقة، بعدما باع تذكارات لسائح أرجنتيني.
خلال الأزمة، اضطر عبد الله (35 عاما) إلى التخلي عن تجارته ليعمل حارس أمن في إحدى الشركات، مثل جلّ العاملين في القطاع الذين عاشوا ظروفا صعبة، لاسيما منهم العاملين غير النظاميين.
ولتخفيف آثار الأزمة التي تفاقمت بسبب تعليق تام للرحلات الجوية بين نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي، خصّصت الحكومة دعما بملياري درهم (قرابة 200 مليون دولار) عبارة عن إعانات شهرية للعاملين في القطاع. لكنه لم يشمل سوى النظاميين منهم.
يتابع عبد الله: "كانت فترة صعبة، لكنني اليوم سعيد بالعودة إلى عملي"، مؤكدا: "أنا متفائل بالمستقبل".
خصصت الحكومة المغربية أيضا دعما بمليار درهم (نحو 100 مليون دولار) لأصحاب الفنادق. لكنهم يطالبون بإجراءات أخرى لتجاوز الأزمة تتعلق على الخصوص بتخفيف القيود على دخول المسافرين إلى المملكة.
يوضح رئيس الفيدرالية الوطنية للصناعة الفندقية، لحسن أزلماط، أن "القطاع استأنف نشاطه لكن ذلك يبقى غير مكتمل"، بسبب الاستمرار في اشتراط حيازة المسافرين الجواز الصحي، بالإضافة إلى اختبار "بي سي آر" سلبي لكوفيد-19 لدخول المملكة.
لكن الحكومة استجابت أخيرا لهذا المطلب، حيث أعلنت ليل الثلاثاء إلغاء هذا الشرط. وهو "ما من شأنه أن يشجع السياح الأجانب على المجيء. "كان يجب أن يتخذ هذا القرار منذ مدة، لكننا نشكر الحكومة على كل حال"، كما علق أزلماط.
إرث ساحر
تلك الإجراءات لم تمنع السائح الشاب نيك (29 عاما) من السفر إلى مراكش، وبدا مستمتعا "بسحر" مدرسة ابن يوسف، أحد المعالم التاريخية للمدينة التي كانت على مدى قرون عاصمة "للإمبراطورية الشريفة".
يقول الشاب القادم من لندن، والذي يزور مراكش للمرة الأولى: "أنا مندهش لدقة التفاصيل المعمارية، افتقدت مثل هذه الرحلات لاكتشاف ثقافات أخرى".
ويعود تاريخ المدرسة العتيقة إلى القرن السادس عشر في عهد الدولة السعدية.
كذلك، يشاهد سياحا في معالم سياحية أخرى حديثة مثل حدائق ماجوريل ومتحف إيف سان لوران، الذي "يعد محطة أساسية" في مسار استكشاف المدينة المصنفة تراثا عالميا من منظمة اليونسكو، كما يقول الشابان الصينيان تومي وكوكو القادمان من ألمانيا.
ويضيفان: "إننا جد محظوظين للتمكن من السفر مجددا، نحن سعيدان للغاية".