على مر تاريخها، عاشت بلاد الهند على وقع انتشار وتفشي العديد من الأمراض والأوبئة المميتة. فإضافة للكوليرا والطاعون والجدري والملاريا والحمى الصفراء، التي حصدت عدداً من الأرواح على مدار قرون، حلّت أواخر العقد الثاني من القرن العشرين الإنفلونزا الإسبانية بمناطق الراج البريطاني (حالياً الهند وباكستان وبنغلاديش وبورما) لتتسبب خلال أشهر في سقوط أعداد هائلة من الضحايا.
عقب ظهوره بالأشهر الأولى لعام 1918، سجّلت الإنفلونزا الإسبانية تفشيها في صفوف الجنود على الجبهة الغربية بالحرب العالمية الأولى دون أن تتسبب بوفيات كثيرة.
وما بين أواخر مايو ويونيو من نفس السنة، بلغت الإنفلونزا الإسبانية بلاد الهند قادمة من ساحات القتال الأوروبية، حيث نقل المجندون الهنود لصالح الجيش البريطاني المرض لبلادهم تزامناً مع عودتهم لمنازلهم. ووفق مصادر متعددة، انتقل المرض لأول مرة نحو مدينة مومباي قادماً من أوروبا عن طريق إحدى السفن التي نقلت مجندين هنودا لوطنهم. وبسبب تنقلات الجنود والحركة التجارية تفشى المرض سريعاً بمختلف أرجاء الهند متسبباً في كارثة حصدت ملايين الأرواح.
إلى ذلك كان الوضع بالهند عادياً وتحت السيطرة خلال الموجة الأولى من الإنفلونزا الإسبانية، حيث لم تسجل أعداد كبيرة من الوفيات، كما شفي المرضى بعد أيام من إصابتهم. وبحلول سبتمبر 1918، حافظت مدينة مومباي على موقعها كمركز للمرض، حيث تواصل عدد المصابين بها بالارتفاع بسبب موقعها التجاري واكتظاظها بالسكان. وفي 19 سبتمبر، عنونت إحدى الصحف الإنجليزية بالمنطقة قائلة إن عدد الوفيات اليومية بمومباي يقارب 300 حالة وإن الأسوأ قد مر.
ومن مومباي وبقية المناطق بالجنوب، ظهرت بالهند في سبتمبر موجة ثانية من الإنفلونزا الإسبانية سرعان ما انتشرت بسبب الطرق التجارية لتمتد نحو مختلف أرجاء البلاد. ووفق تقارير تلك الفترة، استقبلت مناطق الحرق يومياً ما بين 150 و200 جثة.
كما نقلت مصادر بريطانية أن مدينة مومباي سجلت وحدها يوم 6 أكتوبر 1918 حوالي 768 حالة وفاة بسبب المرض. وتحدث الشاعر الهندي سورياكانت تريباثي (Suryakant Tripathi)، الذي عاصر تلك الفترة، عن انتشار الجثث والمصابين بالشوارع، مؤكداً على فقدانه عددا كبيرا من أفراد عائلته وعدم عثوره على الكمية الكافية من الحطب للقيام بالمراسم الأخيرة وحرقهم. إلى ذلك، نقلت تقارير بريطانية أخرى أخباراً مفزعة عن انتشار الجثث بالوديان والأنهار، خاصة نهر الغانج (Ganges) الذي تراكمت به الجثث استعداداً لحرقها.
ومن ضمن مشاهير الهند الذين أصيبوا بالإنفلونزا الإسبانية، يذكر التاريخ اسم مهاتما غاندي (Mahatma Gandhi). فبعد مضي 4 سنوات على عودته من جنوب إفريقيا ومعاناته مع سياسة التمييز العنصري المنتشرة بها، أصيب غاندي، البالغ من العمر حينها 48 سنة، بالمرض واضطر للمكوث ببيته، معتمداً على نظام غذائي مميز اقتصر أساساً على حمية سائلة وتمكن في النهاية من الانتصار عليه والنجاة بعد معاناة هددت حياته واستمرت لأيام.
يشار إلى أنه ما بين 1918 و1920 قتلت الإنفلونزا الإسبانية أكثر من 50 مليون شخص بالعالم. وفي الهند لوحدها، قتل المرض خلال عامين فقط أكثر مما قتلت الحرب العالمية الأولى، حيث بلغ عدد الهنود الذين فارقوا الحياة 17 مليون نسمة، لتصنف بذلك كأكثر البلدان تضرراً من الإنفلونزا الإسبانية من حيث عدد الوفيات.