يوم 12 نيسان/أبريل 1955، تناقلت مختلف الصحف الأميركية خبر النجاح المذهل الذي حققه لقاح الطبيب الأميركي جوناس سولك (Jonas Salk) لمواجهة مرض شلل الأطفال الذي لطالما أرّق العائلات الأميركية وأجبر كثيرا منها على اتخاذ إجراءات صارمة لحماية أطفالها. فقبل 3 سنوات فقط، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع تفش غير مسبوق لهذا المرض أدى لتعرض 57 ألف شخص للعدوى، وإصابة 21 ألفا بالشلل ووفاة 3145 آخرين كان جلهم من الأطفال.
ومع ظهور لقاح سولك، تنفّس قسم كبير من الأميركيين الصعداء، حيث مثّل ذلك نهاية لسياسة الخوف والإجراءات الوقاية المعتمدة. إلا أن هذه الفرحة لم تدم طويلا. فبعد فترة وجيزة من ظهوره، واجه لقاح شلل الأطفال الذي جاء به جوناس سولك مشاكل وانتقادات عدّة تجسّدت أساسا بظهور أزمة انتشار عدوى المرض مجددا.
دعم حكومي محدود
وفي مطلع الخمسينيات، لعبت الحكومة الأميركية دورا محدودا بمجال الصحة العمومية، حيث حصلت الحملات الساعية لإنتاج لقاح لمواجهة شلل الأطفال على الدعم من قبل مساهمات المتبرعين التي قدمت أساسا للمنظمة الوطنية لشلل الأطفال والتي قدمت بدورها دعما هاما لباحثين عدة من أمثال جوناس سولك.
من جهة ثانية تكافل الأميركيون للقضاء على شلل الأطفال والعودة لحياتهم العادية، فتجنّد لذلك نحو 300 ألف متطوع من مختلف شرائح المجتمع للمساهمة في إنجاح تجارب تلقيح جوناس سولك عام 1954. وبنحو 200 مركز تلقيح بالبلاد، تلقى مليونا طفل أميركي التطعيم ضد المرض وقد جاءت النتائج مبشرة.
نقص في الجرعات
إلى ذلك، آمن الجميع حينها بقيام الحكومة بتخزين كميات كافية من جرعات لقاح سولك لتطعيم كل أطفال الولايات المتحدة الأميركية إلا أن أنهم صدموا عند إعلان إدارة الرئيس أيزنهاور ووزارة الصحة أن مهمة إنتاج وتوزيع اللقاح تقع على عاتق مؤسسات صناعة الأدوية والصيدليات. وعلى حسب العديد من خبراء تلك الفترة، لم تمتلك الحكومة الأميركية جرعة واحدة من اللقاح عند حصول جوناس سولك على براءة الاختراع.
وفي مقابل كندا التي قادت بها وزارة الصحة حملة تطعيم وطنية، اضطرت في أميركا المنظمة الوطنية لشلل الأطفال لتحمل أعباء مجابهة المرض مرة ثانية فساهمت في توفير 9 ملايين جرعة فقط، وبسبب ذلك أجبر قسم كبير من الأميركيين على تحمل مشقة صيف قاس تميّز بتواصل إغلاق المسابح العمومية واعتماد جانب من قواعد التباعد الاجتماعي.
لقاح فاسد ووفيات
وانطلقت بأميركا لاحقا 6 شركات إنتاج أدوية في صناعة لقاح شلل الأطفال الذي اعتمد على فيروس ميت، تم إنتاجه عقب تعريض الفيروس لمادة الفورمالديهايد، يحقن بالجسم لإجبار جهاز المناعة على إنتاج أجسام مضادة.
وبعد أسابيع من بداية حملات التطعيم، سجلت مدينة بوكاتيلو (Pocatello) بولاية إيداهو إصابة طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات بحمى شديدة وشلل بيدها التي حقنت بها قبل أن تفارق الحياة بعد 3 أيام. وخلال الأيام التالية، سجلت الولايات المتحدة الأميركية مئات الحالات المشابهة، وهو ما أجبر المسؤولين على وقف حملة التطعيم يوم 8 أيار/مايو 1955 لحين معرفة سبب الأزمة.
إلى ذلك، أثبتت التحقيقات ارتكاب مختبرات كاتر (Cutter) بكاليفورنيا لخطأ أسفر عن إنتاج 120 ألف جرعة فاسدة من اللقاح احتوت على فيروس حي بدلا من ميت. وقد أدت هذه الحادثة حينها لإصابة مئات الأشخاص من الأطفال والبالغين بحالات متقدمة من الشلل ووفاة نحو 11 آخرين.
لقاح جديد
مع تحديد سبب الكارثة، استهلت الولايات المتحدة الأميركية حملات التطعيم ضد شلل الأطفال، إلا أن كثيرين عزفوا عن التلقيح الذي جاء به جوناس سولك وفضلوا بدلا من ذلك التوجه نحو التلقيح الفموي الذي جاء به الطبيب ألبرت سابين (Albert Sabin) لاحقا.