قدّم عالم الكيمياء الألماني فريتز هابر (Fritz Haber) اختراعين متناقضين للعالم. فأثناء فترة الحرب العالمية الأولى، تمكّن هذا العالم الألماني، المولود عام 1868 ببرسلاو (Breslau) في بروسيا، من اختراع غاز الكلور السام الذي استخدمه الألمان لأول مرة ضد الفرنسيين أثناء معركة إيبرس (Ypres) في بلجيكا خلال شهر أبريل 1915، حيث أطلقوا 168 طنا من هذا الغاز نحو المواقع الفرنسية وتسببوا في مقتل وإصابة ما لا يقل عن 15 ألف فرنسي.
إضافة لذلك، تمكّن فريتز هابر من وضع لمسة إيجابية في حياة البشر. فسنة 1918، فاز الأخير بجائزة نوبل للكيمياء بسبب ابتكاره لطريقة هابر بوش التي سمحت بإنتاج الأمونياك من الهيدروجين والنيتروجين ومكّنت بذلك العالم من الحصول على طريقة سهلة لصناعة المتفجرات والأسمدة. وخلال الفترة الحالية، يعتمد إنتاج غذاء ما يقارب نصف سكان كوكب الأرض على هذه الطريقة في صناعة الأسمدة النتروجينية.
وعلى الرغم من هذه النجاحات، لم يحظَ فريتز هابر بحياة عائلية سعيدة. فعام 1915، لم تتردد زوجته كلارا إميرفار (Clara Immerwahr) في وضع حد لحياتها تزامنا مع تواصل تجارب زوجها، الملقب بأبي الحروب الكيمياوية، على السلاح الكيمياوي.
أول امرأة تحصل على دكتوراه بالكيمياء بألمانيا
ولدت كلارا إميرفار يوم 21 يونيو 1870 بإحدى المناطق الريفية القريبة من برسلاو لعائلة مرموقة حيث كان والدها عالم كيمياء عرف بفيليب إميرفار (Philipp Immerwahr). إلى ذلك، ترعرعت كلارا رفقة شقيقاتها الثلاثة بإحدى الضيعات وعرفت حياة جيدة قبل أن تفقد والدتها سنة 1890 بسبب مرض السرطان.
عقب وفاة والدتها، انتقلت كلارا إميرفار رفقة والدها نحو برسلاو. وهنالك، التحقت الأخيرة بالجامعة وحصلت سنة 1900 على درجة الدكتوراه بالكيمياء لتدخل بذلك التاريخ وتصبح أول امرأة تحصل على هذه الدرجة بمجال الكيمياء بتاريخ ألمانيا. إلى ذلك، كان موضوع أطروحة رسالتها " المساهمات في ذوبانية الأملاح القابلة للذوبان من الزئبق، والنحاس، والرصاص، والكادميوم، والزنك " وقد أشرف عليها حينها الكيميائي الشهير ريتشارد أبيغ.
حياة عائلية صعبة
لاحقا، عملت كلارا كمساعدة بعدد من المختبرات قبل أن تلتقي سنة 1901 بفريتز هابر الذي كان كيميائيا مرموقا بألمانيا بفضل أبحاثه حول الكيمياء الكهربائية والديناميكا الحرارية وعمل كأستاذ جامعي بجامعة كارلسروه (Karlsruhe).
خلال شهر آب/أغسطس 1901، تزوج فريتز وكلارا وانتقلا للعيش بكارلسروه. وبينما آمت كلارا بإمكانية مواصلة أبحاثها بمجال الكيمياء، وجدت الأخيرة نفسها أمام واقع مرير حيث اضطرت للاعتناء بالمنزل الذي استقبل أسبوعيا العديد من ضيوف فريتز كما أجبرت بداية من العام 1902 على الاعتناء بابنها هرمان الذي ولد في ظروف صعبة وعانى من مشاكل صحية.
وعلى الرغم من مساعدتها لزوجها في بعض أبحاثه، عبّرت كلارا إميرفار لأكثر من مرة عن عميق حزنها بسبب هذه الحياة المنزلية الصعبة وخسارتها لحياتها المهنية.
تجارب بربرية وانتحار
خلال فترة الحرب العالمية الأولى، أصبح فريتز هابر أحد أهم مساندي مجهودات الحرب الألمانية. فأجرى أبحاثا على الأسلحة الكيمياوية كللت بالنجاح خلال شهر نيسان/أبريل 1915 عندما أودت عملية استخدام غاز الكلور بحياة آلاف الجنود الفرنسيين.
في الأثناء، رفضت كلارا أبحاث زوجها ووصفتها بالبربرية وأكدت على تنكرها للقيم السامية للعلم الذي جعل لتحسين حياة البشر.
بعد فترة وجيزة من عودة فريتز هابر من بلجيكا، ظهرت المشاكل العائلية بين الزوجين. ويوم 2 مايو 1915، اختلست كلارا المسدس الشخصي لزوجها واتجهت لحديقة المنزل، حيث وجهت لنفسها رصاصة قاتلة استقرت بصدرها لتفارق بذلك الحياة عن عمر يناهز 44 عاما بين يدي ابنها هرمان الذي حل مسرعا عند سماعه لصوت الرصاصة.
خلال صباح اليوم التالي، غادر فريتز هابر المنزل تاركا لابنه مهمة إتمام مراسم الدفن والعزاء واتجه رفقة زملائه نحو الجبهة الشرقية لحضور تجربة غاز الكلور ضد الروس.