منذ رحيل نابليون بونابرت عن سدة الحكم ونفيه نحو جزيرة سانت هيلينا بعرض المحيط الأطلسي تزامنا مع عودة الملك لويس الثامن عشر (Louis XVIII)، اقتصر حق الانتخاب على بضعة آلاف من البورجوازيين الذين انقسموا أساسا بين مؤيدين للملكية ومساندين لقيم الثورة الفرنسية.
وبسبب قوانين الاقتراع حينها، وجد الليبراليون أنفسهم خارج الحياة السياسية الفرنسية. وبسبب ذلك، اتجه هذا الشق الهام من الشعب الفرنسي لإنشاء منظمات سرية كانت أبرزها منظمة شاربوناري (Charbonnerie) التي عملت في الخفاء على تغيير النظام بفرنسا.
مجموعة شاربوناري
مطلع عشرينيات القرن التاسع عشر، اتخذ الخلاف بين الليبراليين ومساندي النظام القديم منهجا جديدا تميّز بأعمال العنف والاغتيالات تزامنا مع اغتيال تشارلز فرديناند دوق بيري (Duke of Berry) يوم 14 شباط/فبراير 1820. وبالتزامن مع ذلك، عاشت أوروبا ما بعد نابليون بونابرت على وقع موجات ثورية ليبرالية كانت أهمها بإسبانيا وتطلّب القضاء عليها تدخل الجيش الفرنسي.
وبالدويلات الإيطالية، شهدت نابولي ثورة تزعمتها حركة كاربونيري (Carbonari) التي سرعان ما امتد تأثيرها نحو دول الجوار. فعقب مرورهم واحتكاكهم بأهالي نابولي، اتجه عدد من الليبراليين الفرنسيين لتأسيس النسخة الفرنسية من كاربونيري التي عرفت لدى الفرنسيين بشاربوناري.
وفي صفوفها، ضمت هذه المنظمة العديد من الشخصيات النافذة والمعروفة بالأوساط العلمية والسياسية الفرنسية. فإضافة للعديد من العسكريين السابقين بجيش نابليون بونابرت، ضمت هذه المنظمة المؤرخين الشهيرين إدغار كينيه (Edgar Quinet) وأغستين تييري (Augustin Thierry) والماركيز دي لافاييت (marquis de La Fayette).
إعدام وغضب شعبي
وبمساندة عدد من السياسيين البارزين بالبلاد، كسبت هذه المنظمة مزيدا من الشعبية بالبلاد وانخرط بها عدد هام من الأشخاص بكل من باريس وبروفنس. وبناء على بعض التقديرات، تجاوز عدد أفراد هذه المنظمة 20 ألف عضو. وبشكل سريع، امتدت أفكار مجموعة شاربوناري لتطال أفراد الجيش الفرنسي حيث التحق العديد من أفراد الفيلق الخامس والأربعين بهذه المنظمة. وبداية من العام 1822، شهدت فرنسا حركات تمردية قادتها مجموعة شاربوناري بكل من بلفورت (Belfort) وكولمار (Colmar).
وعلى الرغم من محدودية تأثير هذه الحركات التمردية، اتجهت السلطات الفرنسية لوضع حد لمنظمة شاربوناري عن طريق التخلص من بعض أفرادها أملا في إرهاب البقية وإجبارهم على التخلي عنها.
وعلى إثر اعتقال جنود من الفيلق الخامس والأربعين، أجريت تحريات أسفرت في النهاية عن توجيه اتهامات بالخيانة والتحريض ضد الدولة لأربعة جنود، عرفوا ببورييس (Bories) وغوبين (Goubin) وبومييه (Pommier) وراوول (Raoulx)، نالوا في النهاية أحكاما بالإعدام.
ووسط غضب شعبي، نفّذت السلطات الفرنسية أحكام الإعدام يوم 21 أيلول/سبتمبر 1821 بميدان الإضراب بباريس (place de Grève). إلى ذلك، أثرت حادثة الإعدام بشكل كبير على التيار الليبرالي بفرنسا. فخلال الفترة التالية، لم يتردد العديد من الرسامين في رسم رسومات تخليدية لهؤلاء الجنود الأربعة. من ناحية أخرى، لعبت عملية الإعدام بميدان الإضراب عام 1822 دورا هاما في حشد التأييد الشعبي لاعتلاء عائلة أورلينز (Orléans) لسدة الحكم بالبلاد عام 1830.