يصنف يوجين فكتور ديبس (Eugene V. Debs) كأحد أغرب الشخصيات التي تقدمت لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية على مر التاريخ. فخلال مسيرته الحافلة بالصدامات مع السلطات ورجال الأمن، ترشح الأخير خمس مرات للانتخابات الرئاسية الأميركية عن الحزب الاشتراكي وفشل في بلوغ البيت الأبيض كما اضطر خلال العام 1920 لخوض غمار السباق الرئاسي خلف القضبان بسبب حكم بالسجن صادر في شأنه وحقق نتائج مشرفة مقارنة بغيره من المترشحين.
بدايات ديبس
وقد انطلقت مسيرة ديبس عام 1870 عقب مغادرته لمنزل والديه بمنطقة تير هوت (Terre Haute) بولاية أنديانا (Indiana) وهو في الرابعة عشرة من العمر للعمل بالمصانع فاطلع على معاناة العمال الأميركيين عن كثب ونقد المعاملة السيئة وظروف العمل الشاقة فكسب العديد من المؤيدين ليصبح بحلول سنة 1893 رئيس اتحاد السكك الحديدية الذي صنف حينها ضمن قائمة أبرز المنظمات النقابية بالولايات المتحدة الأميركية.
وأثناء ريعان شبابه، أرسل ديبس نحو السجن حيث قضى ستة أشهر بسبب تزعمه لإضراب بولمان (Pullman) بقطاع السكك الحديدية عام 1894.
وخلال فترة سجنه، اطلع هذا الشاب الأميركي على كتابات كارل ماركس (Karl Marx) فأعلن نفسه اشتراكيا عام 1897 وساهم في إنشاء الحزب الاشتراكي الأميركي مؤكدا على رغبته في الترشح لرئاسيات عام 1900.
انتخابات 1912
بفضل خطاباته الحماسية، جذب ديبس اهتمام نسبة هامة من العمال المطالبين بتحسين ظروف عملهم. فضلا عن ذلك، لقي الأخير معارضة شديدة من قبل المسؤولين السياسيين الذين نعتوه بأسوأ الألفاظ. فمطلع القرن العشرين، لقّب ثيودور روزفلت الاشتراكي ديبس بالمواطن غير المرغوب فيه واتهمه بنشر الكراهية وثقافة العنف والدم والتحريض على الشغب والعصيان. إلى ذلك ترشح ديبس خمس مرات لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية كانت أهمها عام 1912 حيث حصل الأخير حينها على أكثر من 900 ألف بالاقتراع العام وهو ما يعادل 6 بالمائة من أصوات الناخبين.
10 سنوات سجن
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، انضم ديبس للحركات المطالبة بضرورة حفاظ الولايات المتحدة الأميركية على موقف الحياد وعدم التدخل بالحرب حيث انتقد الأخير دور السياسيين الأميركيين واتهم المسؤولين الحكوميين بتجنيد العمال الفقراء بالغصب ودون الحصول على آرائهم لإرسالهم للموت بمناطق تبعد آلاف الكيلومترات عن ديارهم. ومع دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب بشكل رسمي خلال شهر نيسان/أبريل 1917، اتجه هذا الرجل الاشتراكي البالغ من العمر حينها 61 عاما نحو الشمال الشرقي ليقود حملة مناهضة للحرب والتجنيد مثيرا بذلك قلق السلطات الأميركية التي باشرت منذ فترة بتمرير قوانين، مثل قانون التجسس، لمراقبة الصحف والشخصيات الداعية للخروج من النزاع العالمي.
وبمنطقة كانتون (Canton) بولاية أوهايو (Ohio) يوم 16 حزيران/يونيو 1918، قدّم ديبس خطابا جريئا أمام 1200 شخص حول خروج الولايات المتحدة الأميركية من الحرب. إلى ذلك، كان من ضمن الحاضرين بهذا الخطاب عدد من الأمنيين الذين أرسلهم المدعي العام لتدوين كلمات ديبس الذي سرعان ما وجد نفسه رهن الاعتقال بسبب خرقه لقوانين التجسس والفتنة التي أرسيت من قبل الكونجرس أثناء الحرب لينال بذلك حكما بالسجن 10 سنوات قضى منها أكثر من عامين قبل أن ينال حريته بفضل تدخل الرئيس وارن هاردينغ (Warren G. Harding).
انتخابات خلف القضبان
وأثناء فترة تواجده خلف القضبان، رشّح الحزب الاشتراكي مجددا ديبس لانتخابات عام 1920 ليخوض بذلك هذا المرشح الاشتراكي السباقي الرئاسي من السجن حيث قدّم تصريحات انطلاقا من زنزانته منتقدا سياسة الرئيس السابق ولسن وواعدا بالعفو عن نفسه في حال بلوغه البيت الأبيض.
وبانتخابات عام 1920 التي خاضها من السجن، حلّ ديبس ثالثا فنال أصوات أكثر من 900 ألف أميركي بالانتخاب المباشر، أي ما يعادل أصوات 3.41 بالمائة من الناخبين، وفشل في الحصول على صوت واحد بالمجمع الانتخابي.