على مدار تاريخها، قدّمت بلاد الرافدين الكثير للحضارة الإنسانية. فبالإضافة للعجلة والتقويم والخريطة السومرية التي يعود تاريخها للقرن الخامس عشر قبل الميلاد، شهدت بلاد الرافدين مولد الكتابة المسمارية في حدود القرن الثاني والثلاثين قبل الميلاد.
كما عرفت أيضا ظهور أولى التشريعات القانونية بالتاريخ كإصلاحات أوركاجينا التي تعود للقرن الرابع والعشرين قبل الميلاد وقانون أورنمو بالقرن الواحد والعشرين قبل الميلاد وشريعة حمورابي بالقرن الثامن عشر قبل الميلاد.
أقدم مصافحة موثّقة
إضافة لكل تلك الإنجازات المؤثرة في التاريخ الإنساني، شهد العام 1962 اكتشاف رسم فريد من نوعه، جسّد لحظة تاريخية تمثّلت في أقدم مصافحة موثّقة ليومنا الحاضر.
ويظهر هذا الرسم الذي يعود تاريخه للقرن التاسع قبل الميلاد الملك الآشوري شلمنصر الثالث (Shalmaneser III)، بيمين الرسم، الذي حكم ما بين عامي 858 و824 قبل الميلاد يصافح نظيره البابلي مردوخ زكير شومي (Marduk-zakir-shumi) الذي امتدت فترة حكمه ما بين عامي 855 و819 قبل الميلاد.
في نينوى
وقد اكتشف هذا الرسم، الذي نحت بدقة، عام 1962 بالطرف الشرقي من حجرة العرش للملك شلمنصر الثالث بمدينة النمرود الواقعة حاليا في نينوى بالعراق.
وبحسب عدد من الخبراء المعاصرين، اكتمل نحت هذا النحت، الذي جسّد لحظة المصافحة، ما بين عامي 846 و845 قبل الميلاد.
فيما اختلفت الروايات حول سبب تلك المصافحة.
فبينما تحدّث البعض عن أنها جاءت لتجسد سلاما بين الآشوريين والبابليين خلال فترة تميّزت بكثرة الخلافات بين الدولتين، ذكر موقع موسوعة التاريخ العالمي (worldhistory) أن المصافحة حدثت في سياق تحالف آشوري بابلي، حيث أقدم شلمنصر الثالث على مساندة مردوخ زكير شومي لقمع الثورة التي قادها شقيقه، ومنافسه على العرش، مردوخ بل أوساتي (Marduk-bel-usati) عام 851 قبل الميلاد.
وقد ساهم تدخل شلمنصر الثالث حينها في إنهاء الثورة ومقتل مردوخ بل أوساتي.
يذكر أن عملية المصافحة ظهرت لدى العديد من الحضارات الأخرى. فبالقرن الثامن قبل الميلاد، تحدّث الشاعر الملحمي الإغريقي هوميريوس، المعروف أيضا بهومر (Homer)، عن المصافحة باليد في ملحمتيه الشعريتين الأوديسة والإلياذة.
كذلك، مثّلت المصافحة لدى الإغريق في الغالب رمزا للثقة والتعهدات.
كما دلت في روما القديمة، على الصداقة والولاء.