في الثاني من كانون الثاني/ يناير، عام 1492م، والذي صادف وقوعه، أمس السبت، بدأت نهاية الوجود العربي، من آخر معاقله في الأندلس، في مدينة غرناطة، وذلك بدخول الملكين الكاثوليكيين، فرناندو وإيزابيلا، إليها، واعتبر ذلك التاريخ، حاسماً، بالمعنى السياسي والعسكري والاجتماعي، بحسب "موجز تاريخ الأندلس، من الفتح الإسلامي إلى سقوط غرناطة" للدكتور طه عبد الحميد عبد المقصود.
ويؤرخ تاريخ دخول العرب الأندلس، بين عامي 92 و95 هجرية، الموافق 711 و714 ميلادية.
أربعة أقوال بدخول الأندلس
وبحسب الإخباريين، فإن هناك أكثر من رواية، تحدد زمن أول دخول العرب والمسلمين، إلى الأندلس، جمعها "البيان المغرب" لابن عذاري المتوفى بعد سنة 712 ه، ولخّصها بأربعة أقوال، الأول أن المرة الأولى التي دخل فيها مسلمون أرض الأندلس، ومن جهة البحر، كان في زمن الخليفة الراشدي عثمان بن عفان.
أما القول الثاني لزمن دخول العرب الأندلس، فهو بدخول موسى بن نصير، عام 91 ه. فيما القول الثالث، بدخول "طريف أبي زرعة" الأندلس، وفتحها عام 91 ه، والرابع بدخول طارق بن زياد، كأول من دخلها، عام 91، ودخول موسى بن نصير بعده، في عام 92ه.
وبحسب الإخباريين العرب الذين نقل عنهم صاحب "البيان المغرب" فإن دخول العرب الأندلس، بدأت طلائعه من زمن الخليفة عثمان. إلا أن "البيان المغرب" يفي طارق بن زياد حقه، في أمر السيطرة على الأندلس: "وقد اتفق الجميع، في ما يظهر، على أن متولّي كبر فتح الأندلس وجلّه ومعظمه، طارق بن زياد" في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.
اتفاقية التسليم
واستمرت السيطرة العربية على بلاد الأندلس، 781 عاماً، انتهت عام 1492 م، في الثاني من يناير، عندما دخل غرناطة، ملك قشتالة، فرناندو، وملكة ليون إيزابيلا، في هذا اليوم، بعدما حاصرا المدينة، بقوات وصفت بالضخمة، الأمر الذي اضطر أبا عبد الله محمد، آخر سلاطين المدينة والأندلس، لتسليم آخر الحصون الخاضعة لسلطة العرب، بعد موافقته على معاهدة تسليم المدينة، للملكين المذكورين اللذين بدآ بنشر جنودهما، على أسوار وبروج المدينة، بحسب "معارك الأندلس" لبطرس البستاني.
أمّا المكان الذي أرسل فيه أبو عبد الله، آخر نظرة، على ملكه "الضائع" فقد بات يسمى "زفرة المغربي" وهو المكان الذي ألقى فيه نظرة تألم وحسرة، بينما بدأ قصر "الحمراء" يغيب عن ناظريه، بحسب البستاني.
مفاوضة الند للندّ
وكان فرناندو، وإيزابيلا، ومن شهر آذار مارس 1491، يحاصران غرناطة، حصارا محكما، إلا أنهما أيقنا أن الحصار سيطول، بسبب مقاومة أهلها ومناعة حصونها، فقررا بناء مدينة مقابل غرناطة، لاستمرار الحصار والسجالات الحربية المتواصلة بين كر وفر وهجوم وإغارات لا تنتهي، وكذلك لإيصال رسالة للغرناطيين بأن هذه الحملة للسيطرة على المدينة مختلفة عن سابقاتها، بحسب البستاني، وكانت الغلبة، آخر الأمر، لجيشي الملكين، إثر حصار أتلف غرناطة ومن فيها، فاستسلمت، بعد معاهدة وصف البستاني بنودها بأنها أظهرت أن العرب كانوا يفاوضون "مفاوضة الندّ للندّ" تبعاً للشروط التي فرضها، وفد المفاوضين العرب، وبلغت بنود المعاهدة، 67 شرطاً، كما ينقل البستاني عن المؤرخ المقري التلمساني.
احترام الأثر العربي
وبحسب المؤرخ والدبلوماسي الأميركي، واشنطن ايرفينع، في "أخبار سقوط غرناطة" فإن اتفاقية "استسلام" غرناطة وقعت بتاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 1491، ثم أعطيت مهلة للتنفيذ. ونشر كتاب "سقوط غرناطة ومأساة الأندلسيين" 46 بنداً لتلك الاتفاقية، يظهر عدد من بنودها، إصرار المفاوض العربي ونجاحه بفرض شروط تتعلق باحترام الأثر العربي والإسلامي في المدينة، وحرية ممارسة الشعائر الإسلامية، وحق أهالي غرناطة البقاء فيها، أو مغادرتها بإرادتهم، كما نص البند 28، في المعاهدة، على حق المهاجر إلى المغرب العربي، لو أراد، أن يعود إلى غرناطة، مرة أخرى.
غرناطة دمشق وإهمال الأتراك للأندلس
وسميت غرناطة، بدمشق بلاد الأندلس، بحسب إخباريين مسلمين، وقيل إن سبب تلك التسمية، هو نزول جند دمشق، فيها، عند فتح البلاد، أو أنها سميت بهذا الاسم، بسبب شبهها من دمشق.
ويفسّر المؤرخ والدبلوماسي الأميركي، ايرفنغ، ما وصفه بـ"إهمال الشام كلها" للأندلس و"إسقاطها بطريقة غير مباشرة" وذلك بدور "الأتراك" الذين كانوا مشغولين بأمور أخرى، كـ"تهييج المسيحيين ضد المماليك" في المنطقة، إلى أن تمكن "العثمانيون من احتلال الشام".
ويكشف ايرفنغ، أن مدينة "تطوان" التي دمرها الإسبان سنة 1399م "لم يهتم بها سلاطين الأتراك".
حضارة غربية تدين للعرب بالفضل
وتطلق كلمة "الأندلس" على جميع الأجزاء التي سيطر عليها العرب والمسلمون، في شبه الجزيرة الأيبيرية، وحكمت بعهود إسلامية مختلفة، من عهد الولاة، إلى عهد الإمارة الأموية، مرورا بما يعرف بعهد الطوائف، وانتهاء بعهد مملكة غرناطة الذي سطّر آخر وجود عربي في ذلك المكان، واعتبر سقوطها، نهاية للوجودين العربي والإسلامي منذ الثاني من يناير عام 1492م، مخلفة وراءها "حضارة" أكبر من أن توصف، تدين لـ"عرب أسبانيا" بالفضل، وما تركوه من اختراعات وترجمات "كانت مبعث الانطلاقة العلمية الهائلة لعصر النهضة" على ما يقول المستشرق الإسباني خوان فيرنيت، والمتخصص بالعلوم العربية-الإسبانية، في كتابه "فضل الأندلس على ثقافة الغرب".
وتقول المستشرقة الكبيرة، زيغريد هونكه، في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب": "الحضارة الأندلسية، كانت أجمل وأعظم من أن تقارن بغيرها" وتقول: "خلال مدة حكمهم التي دامت 800 سنة، خلقت الأسر العربية الحاكمة للأندلس، حضارة زاهرة".