هكذا أجلى الأميركيون رعاياهم وتخلوا عن حلفائهم بفيتنام

عقب توقيع اتفاقية سلام باريس عام 1973، اتجهت الولايات المتحدة الأميركية لسحب تشكيلاتها العسكرية القتالية من فيتنام تاركة هنالك نحو 5 آلاف أميركي كان من ضمنهم عدد كبير من الدبلوماسيين وقوات المارينز وأفراد وكالة المخابرات المركزية. وفي خضم هذه الأحداث، وعد الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون (Richard Nixon)، بشكل سري، المسؤولين بفيتنام الجنوبية بالتدخل لصالحهم بشكل سريع في حال تعرضهم لهجوم من قبل قوات فيتنام الشمالية.

وعلى إثر فضيحة واترغيت (Watergate) التي هزت الولايات المتحدة الأميركية وأسفرت عن استقالة ريتشارد نيكسون، عمدت فيتنام الشمالية خلال شهر آذار/مارس 1975 لاستغلال الموقف لصالحها لتطلق حملة عسكرية على نظيرتها الجنوبية.

خطة الإجلاء

ومع نجاحهم في السيطرة على التضاريس الوسطى، واصل جنود فيتنام الشمالية زحفهم على جارتهم الجنوبية. إلى ذلك تسبب سقوط دا نانغ (Da Nang)، ثاني كبرى مدن فيتنام الجنوبية، يوم 29 آذار/مارس 1975 في موجهة هجرة كبيرة حيث لم يتردد الجنوبيون في الفرار من زحف القوات الشمالية مطالبين الولايات المتحدة الأميركية بالتدخل لإجلائهم من المنطقة وإنقاذهم من الأعمال الانتقامية التي قد يمارسها الشماليون ضدهم.
وتزامنا مع عدم وجود أية رغبة في إرسال قوات نحو فيتنام الجنوبية، رفض الكونغرس الأميركي مقترحا للرئيس جيرالد فورد (Gerald Ford) بتقديم دعم مادي قدره 722 مليون دولار للجنوبيين مفضلين بذلك التخلي عن حليفهم السابق. وأمام تواصل تقدم القوات الشمالية التي أصبحت على مشارف سايغون (Saigon)، أعلن رئيس وزراء فيتنام الجنوبية نجوين فان ثيو (Nguyen Van Thieu) استقالته يوم 21 نيسان/أبريل من نفس العام وغادر البلاد تاركا بذلك الجنوبيين تحت رحمة جيوش فيتنام الشمالية.

ومع سقوط عدد من القذائف على أحد المطارات العسكرية ومقتل جنديين أميركيين يوم 29 أبريل 1975، طالب السفير الأميركي غراهام مارتن (Graham Martin) بجسر جوي لإجلاء أكبر عدد ممكن من الأميركيين وحلفائهم الجنوبيين من مقري القيادة العسكرية والسفارة الأميركية بسايغون.

عملية الرياح المتكررة

ما بين يومي 29 و30 أبريل 1975، أطلق الأميركيون العنان لعملية الرياح المتكررة (Frequent Wind) التي حاولوا من خلالها نقل جميع الدبلوماسيين والرعايا الأميركيين وعدد من حلفائهم الجنوبيين عن طريق المروحيات نحو السفن الحربية الواقعة على بعد 40 ميلا جنوب بحر الصين.

وعقب إجلاء نحو 5 آلاف شخص، تحوّلت السفارة الأميركية لمكان الإجلاء الرئيسي بسايغون حيث تهاطلت قذائف الشماليين على مقر القيادة العسكرية مجبرة الأميركيين على التخلي عن هذا المكان. إلى ذلك، تجمهر ما يزيد عن 10 آلاف فيتنامي جنوبي خارج مقر السفارة الأميركية بسايغون أملا في الحصول على فرصة للنجاة من زحف الشماليين. وفي المقابل، أغلق جنود المارينز الأميركيين أبواب السفارة وأشهروا بنادقهم بوجه الجماهير خارج السفارة مهددين بقتلهم في حال قيامهم باقتحام المكان. وبسبب ذلك، أصبح مصير عدد كبير من الجنوبيين وعائلاتهم بين يدي قوات المارينز الذين سمحوا للبعض فقط بالعبور وطلبوا مزيدا من الدعم لضبط الأمن أمام بوابة السفارة.

من ناحية أخرى، استقل عدد من الطيارين الجنوبيين طائرات مروحية تواجدت بالمطارات القريبة وعمدوا لقيادتها نحو السفن الأميركية الرابضة على بعد عشرات الأميال. وبسبب عدم وجود أماكن كافية للنزول على السفن الأميركية، لم يتردد كثير من الطيارين الجنوبيين في الهبوط بعرض البحر ومواصلة الطريق سباحة نحو سفن الأميركيين.

وفي حدود الساعة الثالثة والنصف صباحا يوم 30 أبريل 1975، تلقى السفير مارتن أمرا من الرئيس فورد بمغادرة السفارة. وتنفيذا لرغبة الرئيس، حمل السفير علم بلاده وركب المروحية ليرحل عن المكان رفقة عدد من الدبلوماسيين والمارينز.

وعقب رحلات إجلاء عديدة، غادر الأميركيون المكان تاركين وراءهم المئات من الجنوبيين الذين ظلوا تحت رحمة الشماليين. وفي النهاية، قدّر عدد الأميركيين والفيتناميين الجنوبيين الذين تم إجلاؤهم بأكثر من 7 آلاف شخص. وبعد ساعات عن رحيل آخر مروحية أميركية، حلت القوات الشمالية بسايغون مجبرة نظيرتها الجنوبية على الاستسلام لينتهي بذلك عقدان من الحرب بفيتنام قتل خلالهما ملايين الأشخاص.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: