خلال شهر حزيران/يونيو 1945، كان الاتحاد السوفيتي بأوج قوته على الساحة العالمية. فعقب هزيمة النازيين، وقعت مناطق شرقي أوروبا تحت نفوذ موسكو. فضلا عن ذلك، استعد الجيش الأحمر السوفيتي للتدخل عسكريا ضد اليابان، حيث أمر ستالين على مدار أسابيع بنقل أعداد هامة من الجنود نحو الشرق لدعم الأميركيين ضد اليابانيين الذين تلقوا العديد من الهزائم واضطروا للتراجع.
واعتمادا على موقع القوة الذي حظيت به بلادهم حينها، اتجه المسؤولون السوفيت للضغط على الجانب التركي لفض عدد من النزاعات الدبلوماسية والعسكرية والحدودية التي أرقت القائد السوفيتي جوزيف ستالين منذ العشرينيات.
تردي العلاقات السوفيتية التركية
أثناء فترة الحرب العالمية الثانية، أرّقت السياسة التركية الكرملين بسبب تلاعبهم على الساحة الدولية. فمن جهة، أعلن الأتراك حيادهم ورفضوا السماح للجيش الألماني بعبور أراضيهم للتدخل ضد الاتحاد السوفيتي. ومن ناحية ثانية، حشدت تركيا، تزامنا مع تقدم الألمان، أعدادا كبيرة من الجنود على الحدود السوفيتية الجنوبية مثيرة بذلك قلق القيادة العسكرية السوفيتية من إمكانية وجود تحالف سري بين الأتراك والنازيين.
وخلال خريف عام 1941، تزايدت مخاوف السوفيت من إمكانية تدخل الأتراك ضدهم. فأثناء تلك الفترة، لبّى وفد عسكري تركي رفيع، بقيادة الجنرال علي فؤاد إردين (Ali Fuat Erden)، دعوة المارشال الألماني غيرد فون رونشتيت (Gerd von Rundstedt) بزيارة الأراضي السوفيتية المحتلة من قبل الألمان. وأمام هذا الوضع، رجّحت القيادة العسكرية السوفيتية إمكانية تدخل الأتراك لاحتلال القوقاز في حال سقوط ستالينغراد وموسكو في قبضة الألمان.
أيضا، اتهم السوفيت الأتراك بالتنكر لاتفاقيات عام 1936 وتسهيل عبور سفن البحرية الألمانية عبر مضيقي البسفور والدردنيل.
إذلال تركيا بالمطالب
مع تقدمهم بأوروبا الشرقية ضد الألمان واقترابهم من برلين، تيقّن المسؤولون السوفيت من قدرتهم على مواجهة الأتراك دبلوماسيا وعسكريا. وعلى الرغم من إعلان تركيا انضمامها للحلف المضاد لهتلر خلال شهر شباط/فبراير 1945، أعلن الاتحاد السوفيتي بحلول شهر آذار/مارس من نفس العام إلغاء اتفاقية الصداقة مع تركيا. فضلا عن ذلك، استدعى وزير الخارجية السوفيتي مولوتوف السفير التركي بموسكو سليم ساربر (Selim Sarper) ووبّخه.
ولإهانة تركيا، اتهم السوفيت تركيا بسوء إدارة مضيقي البسفور والدردنيل. وكرد على ذلك، طالب الاتحاد السوفيتي بإرسال سفن حربية سوفيتية لمراقبة هذين المضيقين وتسيير حركة الملاحة بهما. أيضا، تحدّث الاتحاد السوفيتي عن أراض ومناطق حدودية، كقارص (Kars) وأردهان (Ardahan)، انتزعت منه غصبا عام 1921 وطالب الأتراك بإعادة تسليمها.
إلى ذلك، أثارت السياسة السوفيتية موجة من الغضب بتركيا حيث أعادت تصرفات ستالين للأذهان الهزائم المذلة التي تعرضت لها الدولة العثمانية على يد القياصرة الروس بالقرون السابقة.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية بشكل رسمي مطلع أيلول/سبتمبر 1945، ظهرت الخلافات بين الحلفاء السابقين لينقسم بذلك العالم بين معسكرين شرقي وغربي.
وفي خضم الحرب الباردة، أثارت السياسة السوفيتية خوف المسؤولين الأتراك الذين اتجهوا للتقرب لكل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. وقبل وفاة ستالين بنحو عام، التحقت تركيا عام 1952 بحلف شمال الأطلسي الذي تأسس بشكل رسمي خلال شهر نيسان/أبريل عام 1949.