مع اندلاع حرب الاستقلال، اضطر الأميركيون لمواجهة خطر البحرية البريطانية المصنفة حينها ضمن قائمة أبرز وأقوى الجيوش البحرية بالعالم، حيث امتلكت الأخيرة بذلك الوقت العديد من السفن الحربية التي زوّد بعضها بأكثر من 100 مدفع، مثل سفينة "آتش أم أس فيكتوري" (HMS Victory)، بالإضافة لبحارة تمتعوا بخبرة عسكرية بفضل مشاركتهم بالعديد من المعارك.
وكان من المستحيل على الأميركيين حينها إنشاء بحرية وبناء سفن بحجم سفن البريطانيين بوقت قياسي لمقارعتهم على الجانب الغربي من المحيط الأطلسي. وأملاً في التصدي للبحرية الملكية، لم يتردد الأميركيون في الاستعانة بالقراصنة حيث جنّدت الولايات، بشكل منفصل، والكونغرس القاري آلاف القراصنة الذين وافقوا على مهاجمة السفن البريطانية لغايات مادية ووطنية تراوحت بين جمع الثروة بشكل سريع والتحرر من هيمنة البريطانيين.
وعلى الرغم من عدم امتلاكها للمال الكافي لدفع أجورهم، قدّمت الولايات المتحدة الأميركية امتيازات هامة لهؤلاء القراصنة. فبينما سمح لهم جورج واشنطن بالحصول على ثلث ما غنموه من حملاتهم على السفن البريطانية عقب استعانته بهم بمعارك عدة كمعركة حصار بوسطن، فضّل الكونغرس القاري تقديم عرض أفضل لاستقطابهم للعمل لصالحه، فسمح لهم، على عكس جورج واشنطن، بالاحتفاظ بكل ما غنموه من هجماتهم على البريطانيين نظراً "للمخاطر" التي يتحملها هؤلاء القراصنة لخدمة الولايات المتحدة الأميركية.
وخلال شهر آذار/مارس 1776، أصدر الكونغرس القاري قراراً سمح من خلاله للصيادين الأميركيين بتسليح قواربهم والعمل كقراصنة على طول سواحل الولايات الثلاث عشرة. وأملاً في الحفاظ على جانب من قوانين البحار الدولية حينها، أُجبِر القراصنة الذين عملوا لصالح الولايات الأميركية الثلاث عشرة على دفع مبلغ بلغت قيمته 5000 جنيه كتأمين لضمان حسن معاملتهم للمعتقلين البريطانيين وعدم مهاجمتهم لسفن الأميركيين والدول الأخرى المحايدة.
وخلال أشهر فقط، أثبتت هذه الإجراءات فاعليتها، حيث أقدم عدد كبير من التجار والصيادين وصائدي الحيتان على تحويل قواربهم لسفن حربية. وبحلول شهر أيار/مايو 1776، قدر عدد سفن القراصنة عند مناطق "نيو إنجلند" (New England) بأكثر من 100 سفينة. فضلاً عن ذلك، تحدثت مصادر رسمية أميركية عن إصدار أكثر من 1700 وثيقة قرصنة بالولايات الثلاث عشرة خلال نفس الفترة.
وخلال إبحاره نحو جزيرة مارتينيك الفرنسية بالكاريبي عام 1776 للحصول على مزيد من الدعم العسكري، دعا المسؤول الأميركي وليام بنغهام (William Bingham) سكان جميع الجزر التي حل بها للتحول للقرصنة ومهاجمة سفن البريطانيين المحمّلة بالسلع واعداً إياهم بجني مبالغ مالية طائلة عن طريق إعادة بيع بضائعها بأسواقهم المحلية.
بسبب هجمات القراصنة الأميركيين التي قيل إنها بلغت خلال بعض المرات مناطق القناة الإنجليزية، سجّلت قيمة التأمين البحري وأسعار السلع المستوردة ارتفاعاً مذهلاً أغضب التجار. من جهة ثانية، مرر البرلمان البريطاني عام 1777 "قانون القرصنة" الذي سمح من خلاله باعتقال القراصنة الأميركيين وأسرهم دون محاكمة، رافضاً بذلك مبدأ تصنيفهم كـ"أسرى حرب" ومبادلتهم بأسرى بريطانيين لدى الجيش القاري الأميركي.
وأثار "قانون القرصنة" أزمة في بريطانيا حيث اعتبرته شريحة هامة من المواطنين مخالفاً للمعايير الدولية واتهموا المشرعين بالبرلمان بالتخلي عن القيم الأخلاقية وبسوء معاملة الأسرى.
وفي خضم الأزمة الاقتصادية والسياسية التي أثارتها القرصنة حينها، تمكنت البحرية الملكية البريطانية من تدمير المئات من قوارب القراصنة. وعلى حسب مصادر تلك الفترة، فارق حوالي 12 ألفاً من البحارة الأميركيين، جلّهم من القراصنة المعتقلين، الحياة أثناء فترة اعتقالهم بالسفن البريطانية. وقد خلّف ذلك جيلاً كاملاً من اليتامى والأرامل بمناطق أميركية عدة كانت أبرزها نيو إنجلند.