خلال الحرب العالمية الأولى، لم يتردد القيصر الروسي نيقولا الثاني في اتخاذ قرار سيئ ألقى بظلاله على مستقبل بلاده حيث قرر تزامناً مع احتدام المعارك ضد الألمان والنمساويين، تولي قيادة الجيش الروسي.
وعلى إثر ثورتي فبراير وأكتوبر 1917، أجبر القيصر على التنازل عن العرش وفقد منصب قائد الجيش الروسي الذي آل على إثر الثورة البلشفية للعسكري نيقولاي كريلينكو (Nikolai Krylenko).
غير أنه خلافاً لكل التوقعات، لم يعيّن كريلينكو قائداً للجيش الروسي لتحقيق النصر بالحرب العالمية الأولى، إذ كٌلّف بداية من العام 1918 بمهمة أخرى تمثلت في الحصول بكل السبل على سلام منفصل مع الألمان.
مفوض الشعب لشؤون الجيش والبحرية
إلى ذلك، لم يكن كريلينكو، المولود يوم 2 مايو 1885، عبقرياً عسكرياً. فقد درس التاريخ والقانون بجامعة سانت بطرسبرغ قبل أن يرسل لأداء خدمته العسكرية بمدينة لوبلين (Lublin) في بولندا حالياً. ومع تخرّجه في الجامعة، حصل على رتبة ضابط بجيش الاحتياط.
في الأثناء، ظهرت الميول الثورية لدى كريلينكو عام 1904 حيث لم يتردد الشاب البالغ من العمر 19 عاماً حينها في الالتحاق بالبلشفيين لينشط بشكل فاعل في مجال الدعاية.
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، اعتقل كريلينكو عام 1915 بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية. وعقب سجنه لفترة وجيزة، أجبر على الالتحاق بالجيش الروسي فأرسل نحو الجبهة الغربية حيث عمل كضابط بمجال الاتصالات. ومع نجاح الثورة البلشفية، صنّف كريلينكو كواحد من أبرز أفراد الحزب البلشفي وحصل بفضل ذلك على منصب مفوض الشعب لشؤون الجيش والبحرية.
رصاصة في الرأس
وبسبب الحالة السيئة التي عاشت على وقعها روسيا، أدرك البلشفيون ضرورة خروج بلادهم من الحرب للحفاظ على السلطة، فأوكلوا بادئ الأمر للمارشال نيقولاي دوخونين (Nikolai Dukhonin) مهمة التفاوض مع الألمان لضمان انسحاب روسيا من الحرب.
إلا أنه مع رفض دوخونين لذلك، فضّل فلاديمير لينين منح هذه المهمة لنيقولاي كريلينكو الذي استلم لتوه منصبه بالحكومة الجديدة. وعلى الرغم من افتقاره للخبرة في المجالين العسكري والدبلوماسي، ساهم كريلينكو في التوصل لاتفاق برست ليتوفسك (Brest-Litovsk) الذي وقّع يوم 3 مارس 1918 بين الروس والدول الوسطى وساهم في خروج جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية بشكل رسمي من الحرب العالمية الأولى مقابل تنازلات وتعويضات كبيرة.
كما قدّم كريلينكو استقالته لفلاديمير لينين مع نهاية مهمته لجلب السلام لروسيا، واتجه للعمل في مجال المحاماة. وخلال السنوات التالية، ساهم هذا الرجل في خلق النظام القضائي السوفيتي الذي اعتمد على مدار سنوات وقاد أعداداً هائلة من الروس نحو مراكز العمل القسري بالمناطق النائية. وأثناء العهد الستاليني، تحوّل كريلينكو لأداة في يد جوزيف ستالين فقاد أثناء الثلاثينيات العديد من المحاكمات الصورية التي نال المدانون بها أحكاماً بالإعدام.
ومع بداية فترة التطهير التي اندلعت عقب اغتيال سيرغي كيروف عام 1934 وأسفرت عن مقتل حوالي 700 ألف شخص ما بين عامي 1936 و1938، حصل كريلينكو على منصب مفوض الشعب لشؤون العدالة.
لكن كريلينكو فقد سريعاً ثقة جوزيف ستالين الذي اتهمه بالتآمر على البلاد والثورة البلشفية منذ العام 1917. وعقب تعرضه للتعذيب، اعترف مفوض الشعب السابق لشؤون العدالة بما نسب إليه لينال بذلك حكماً بالإعدام عقب محاكمة استمرت 20 دقيقة فقط. وعلى إثر ذلك، اقتيد لمكان بالعاصمة موسكو وأعدم يوم 29 يوليو 1938 برصاصة في الرأس.