ما بين ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، آمن القائد السوفيتي جوزيف ستالين بإمكانية إنجاز مشروع عملاق يقضي بخلق بحر اصطناعي، يحمل اسم خزّان ريبينسك (Rybinsk)، على الأراضي السوفيتية. وعلى حسب برنامج هذا المشروع الذي لقّب بمشروع الفولغا العملاقة نسبة لنهر الفولغا (Volga)، خطط المسؤولون لحفر قنوات مائية واسعة عبر الأراضي السوفيتية لربط بحار قزوين وآزوف والبلطيق مع البحر الأبيض والبحر الأسود تزامنا مع إنشاء خزان ريبينسك الذي كان من المقدر أن تبلغ مساحته 4500 كلم مربع.
معتقلون ومشروع ستاليني عملاق
ولإنجاح مشروع أكبر بحيرة اصطناعية بالعالم اعتمادا على ميزانية محدودة وتكلفة غير باهظة، لجأ جوزيف ستالين لمراكز العمل القسري المعروفة بالغولاغ (Goulag) للحصول على يد عاملة مجانية حيث عجّت هذه المعتقلات السوفيتية بأعداد غفيرة من السياسيين والصحافيين والأساتذة ورجال الدين والمهندسين الذين صنّفهم جوزيف ستالين بأعداء الاتحاد السوفيتي. وعلى حسب المفاهيم الستالينية، كان من الضروري إرسال كل هؤلاء نحو الغولاغ حيث آمن ستالين حينها بمبدأ إعادة التأهيل عن طريق العمل القسري.
وفي وقت قياسي، أنشأ السوفيت مركز عمل قسري عند قرية بيريبوري (Perebory) على مقربة من موقع ريبينسك واتجهوا في وقت وجيز لملئه بعدد كبير من المعتقلين الذين أوكلت إليهم مهمة شاقة بتشييد 4 سدود عملاقة عبرت نهري الفولغا وشيكسنا (Sheksna) وبلغ ارتفاعها 35 مترا، وامتدت لمسافة 7 كيلومترات.
بتصاميم هذا المشروع العملاق، قرر المسؤولون السوفيت إنهاك المعتقلين فأمروا بإنشاء منطقة لعبور السفن بالفولغا ومحطة توليد كهرباء عند نهر شيكسنا، كما وضعوا قائمة إنجازات إضافية تضمنت إزالة الغابات وتشييد آلاف الكيلومترات من خطوط السكك الحديدية والجسور.
وفاة ربع المعتقلين
وانطلق العمل على مشروع الفولغا العملاقة خلال العام 1935، وبحلول منتصف نيسان/أبريل 1941 بدأت المياه بملء الخزان. لكن بعد أشهر قليلة، تعطلت الأشغال على إثر بداية عملية بربروسا (Barbarossa) وانطلاق الغزو الألماني للأراضي السوفيتية. وفي خضم الحرب، قصف الألمان عددا من المواقع المطلة على نهر شيكسنا وخزان ريبينسك إلا أنهم تغافلوا عن استهداف محطة توليد الكهرباء التي كانت توفر نسبة كبيرة من الكهرباء للعاصمة موسكو.
وأثناء انشغالهم بدحر التقدم الألماني، أهمل المسؤولون السوفيت معسكر العمل القسري القريب من ريبينسك. وقد أسفر ذلك عن انتشار سوء التغذية والأمراض وأدى لوفاة ربع المقيمين به.
عشرات آلاف الموتى
ما بين عامي 1935 و1953 الذي يصادف تاريخ إزالته بشكل رسمي، مرّ 600 ألف سوفيتي بمعسكر العمل القسري القريب من ريبينسك. وقد فارق عشرات الآلاف، أكثر من 50 ألفا حسب بعض المصادر، ممن عملوا به الحياة، حيث توفي جلهم في ظروف صعبة بسبب الجوع والإرهاق خلال الحرب العالمية الثانية. من جهة ثانية، عمد ستالين لتهجير العديد من السكان وإخلاء القرى التي كانت موجودة على مقربة من السدود والخزان. فضلا عن ذلك شهدت قرى مثل قرية مولوغا (Mologa) بأوبلاست ياروسلافل (Iaroslavl) فيضانات مفاجئة أسفرت عن كوارث. فبعد تهجيره لعدد من سكانها، شهدت هذه القرية فيضانا بسبب مشروع ستالين العملاق أدى لغرق المئات.