بعد مضي حوالي 40 يوماً عن بداية معركة فرنسا وانطلاق الاجتياح الألماني للأراضي الفرنسية، أجبِر الفرنسيون يوم 22 يونيو 1940 على قبول وقف إطلاق النار وتوقيع هدنة مع الألمان، عُرفت بـ"هدنة 22 يونيو 1940"، قرب مدينة كومبين الفرنسية. إلى ذلك، لجأ الجنرال الفرنسي شارل ديغول من منفاه ببريطانيا لإلقاء خطاب موجه للفرنسيين طالبهم من خلاله بعدم الاستسلام، وبحمل السلاح لطرد الألمان من البلاد.
ومع نجاحهم في احتلال فرنسا، باشرت فرق الـ"إس. إس" الألمانية القيام بحملات اعتقال واسعة طالت أعداداً كبيرة من يهود فرنسا الذين اقتيدوا نحو مراكز الإبادة.
وفي خضم هذه الأحداث، لم يتردد العديد من الفرنسيين في مد يد العون لليهود لإنقاذهم من قوات هتلر. ومن ضمن هذه الشخصيات الفرنسية البارزة، يذكر التاريخ مارسيل مارسو (Marcel Marceau) الملقّب بـ"المهرج بيب".
انحدر مارسيل مارسو، المولود يوم 22 مارس 1923 في ستراسبورغ، من عائلة يهودية. وفي الـ16 من عمره، كان هذا الفتى شاهداً على بداية التدخل الألماني بوطنه وتابع عن كثب عمليات اعتقال اليهود. وأملاً في الهرب من ويلات النازيين، فرّ مارسيل مارسو برفقة أفراد عائلته نحو مدينة ليموج (Limoges) بوسط فرنسا حيث اتخذ، بالتزامن مع توقيع الهدنة، قراراً بالالتحاق بحركة المقاومة لطرد الألمان.
وبينما اعتُقل والده واقتيد لمعسكر أوشفيتز، حيث مات عام 1944، واصل مارسيل عملياته لصالح المقاومة الفرنسية، معتمداً على هوية مزورة، حيث أوكلت للأخير مهام استخباراتية صعبة كان الهدف منها جمع معلومات عن مواقع الألمان.
مع تزايد وتيرة عمليات ترحيل اليهود نحو مراكز الإبادة عام 1944، حصل مارسيل مارسو على مهمة صعبة تمثلت في تأمين نقل مئات الأطفال اليهود، الذين تواجدوا بدار يتامى غرب باريس، نحو مكان آمن على الحدود مع سويسرا. ومع حصوله على موافقة القائمين على دار اليتامى، واجه مارسيل مشكلة أخرى تمثلت في إيجاد طريقة ملائمة لنقل هذا العدد الكبير من الأطفال بشكل سري نحو بر الأمان دون إثارة شكوك جنود الـ"إس. إس".
ومنذ طفولته، أعجب مارسيل مارسو كثيراً بأفلام تشارلي تشابلن الصامتة. وأملاً في إنقاذ هؤلاء الأطفال، اتجه مارسيل للتنكر على هيئة مهرج وتقديم عروض صامتة للأطفال سعياً منه لجذب انتباههم وكسب ثقتهم وإجبارهم بذلك على التزام الصمت طيلة الرحلة نحو الحدود السويسرية.
على حسب عدد من رفاقه، قدّم مارسيل مارسو على مدار أيام عروضاً انبهر بها الأطفال بدار اليتامى. ومع نجاحه في كسب حبّهم وثقتهم، خدع مارسيل الأطفال وأقنعهم بضرورة القيام برحلة ترفيهية نحو الحدود السويسرية والتزام الصمت للتمتع بالمظاهر الطبيعية ومشاهدة مزيد من العروض الترفيهية المضحكة.
بفضل هذه الخدعة، تمكّن مارسيل مارسو من تسهيل عملية نقل الأطفال مساهماً بذلك في إنقاذ المئات منهم. وعقب نجاح إنزال الحلفاء في نورماندي يوم 6 يونيو 1944، حمل هذا الشاب البالغ من العمر 21 عاماً السلاح مع رجال المقاومة الفرنسية، وقاتل ضد الألمان ليتحول عقب نهاية الحرب العالمية الثانية لأحد أبرز أبطال فرنسا أثناء الاحتلال الألماني.