مكسيم غوركي رشّح خمس مرات لنيل جائزة نوبل للآداب وجاب أرجاء روسيا وعمل بالعديد من المهن وهو ما أثر على مستقبله ككاتب وأديب بالقرنين الماضيين، شهدت روسيا بروز العديد من الأدباء الذين دوّنوا أسماءهم بأحرف من ذهب بالتاريخ عن طريق أعمال أدبية عالمية ساهمت في التعريف بالأدب الروسي ونقلت في جانب منها نمط وأطوار حياة الروس بتلك الفترة. وإضافة لأسماء مشهورة كليو تولستوي وفيودور دوستويفسكي ونيقولاي غوغول وأنطون تشيخوف، يبرز اسم الأديب الروسي مكسيم غوركي (Maxim Gorky) صاحب روايات طفولتي والمتشردون والأم والغرام الدامي.
وإضافة لنشاطاته الأدبية، كان مكسيم غوركي مقربا من الأوساط الماركسية والشيوعية كما تميّز بصداقته مع القائد السوفييتي جوزيف ستالين.
إلى ذلك، توفي هذا الأديب الروسي بشكل مفاجئ عام 1936، أثناء فترة تصادفت مع بداية التطهير الكبير الستاليني، مثيرا بذلك شكوكا حول طبيعة وفاته.
خلاف مع لينين
ما بين عامي 1899 و1906، عاش مكسيم غوركي بسانت بطرسبرغ حيث أصبح مؤيدا للتيار الماركسي ومساندا للحزب الديمقراطي الاشتراكي. ومع انقسام الحزب عام 1903، التحق غوركي بالبلاشفة. وعلى الرغم من عدم انخراطه رسميا بهذه الحركة، وفّر الأديب الروسي موارد مالية هامة للينين، الذي كان على خلاف دائم معه، وأتباعه. وبسبب أنشطته وميوله البلشفية، اعتقل مكسيم غوركي مرات عديدة من قبل الشرطة الروسية القيصرية وأقصي من أكاديمية العلوم الروسية.
في الأثناء، لعب غوركي دورا هاما بثورة عام 1905 بروسيا. وقد أدى ذلك لاعتقاله من قبل رجال الأمن لوهلة قبل أن يطلق سراحه لاحقا تزامنا مع تزايد حالة الغضب التي ظهرت بالأوساط الأدبية. وعقب خروجه من مركز الاعتقال، سافر غوركي رفقة عشيقته نحو الولايات المتحدة الأميركية. وأثناء فترة نفيه، قضى هذا الأديب الروسي 7 سنوات خارج وطنه كان أغلبها بمنطقة كابري (Capri) الإيطالية.
عام 1913، عاد مكسيم غوركي مجددا لروسيا وعارض بشدة دخول بلاده الحرب العالمية الأولى. وسنة 1917، رفض غوركي الثورة البلشفية ووصف لينين بالدكتاتور كما اتجه لمساعدة العديد من الأدباء الذين سجنهم البلشفيون عن طريق مدّهم بالطعام.
عام 1921، أمر لينين بنفي مكسيم غوركي. ولتبرير هذا القرار، تحدّث لينين عن تدهور الحالة الصحية لغوركي وحاجته الملحة لفترة نقاهة. وأثناء تلك الفترة، انتقل الأديب الروسي نحو برلين قبل أن يتحول فيما بعد لإيطاليا أثناء فترة تميّزت بتولي الفاشيين لزمام الأمور بالبلاد. وخلال الفترة التي قضاها بالمنفى، قدّم غوركي العديد من الأعمال الأدبية التي لقيت رواجا عالميا كبيرا.
وفاة غامضة
مع رحيل لينين وصعود ستالين، حاول القائد السوفييتي الجديد جاهدا إعادة غوركي لأرض الوطن. ومطلع الثلاثينيات، كان لستالين ما أراد حيث عاد الأديب الروسي للاتحاد السوفييتي واستقبل بحفاوة ضمن ما اعتبرته آلة الدعاية السوفييتية انتصارا لسياسة ستالين. وإضافة للزيارة التي حظي بها غوركي من قبل ستالين ومولوتوف، حصل الأديب الروسي على وسام لينين وشقة وعيّن عام 1934 رئيسا لرابطة أدباء الاتحاد السوفييتي كما أطلق اسمه على طائرة توبوليف آي أن تي 20 (Tupolev ANT-20) المصنفة كأكبر طائرة بالعالم حينها.
على الرغم من تأييده بادئ الأمر لسياسة ستالين وفكرة تأديب وتهذيب الشعب عن طريق العمل القسري ورفضه لفكرة المعاملة السيئة والوفيات المرتفعة بالغولاغ (Gulag)، فقد مكسيم غوركي تدريجيا ثقته بالنظام الستاليني. وبسبب ذلك، مورست رقابة مشددة على هذا الأديب الذي منع أحيانا من الكتابة والنشر.
مع بداية فترة الملاحقات الأمنية التي تلت حادثة اغتيال المسؤول السوفييتي سيرغي كيروف عام 1934، وضع مكسيم غوركي تحت الإقامة الجبرية بمنزله كما انتدبت مفوضية الشعب للشؤون الداخلية، بقيادة جنريخ ياغودا (Genrikh Yagoda)، سكرتيره الخاص كعميل لنقل أخبار تحركاته.
قبل وفاته بفترة وجيزة، تلقى غوركي زيارة من ستالين وياغودا وعدد من المسؤولين الشيوعيين بالبلاد. ويوم 10 يونيو 1936، أعلن رسميا عن وفاة مكسيم غوركي عقب إصابته بذات الرئة. وأثناء جنازته، كان ستالين ومولوتوف على رأس من تكفلوا بحمل تابوته.
إلى ذلك، أثارت وفاة غوركي العديد من التساؤلات حول طبيعتها كما تحدّث كثيرون خلال السنوات التالية عن إمكانية اغتياله بأوامر من ستالين. فأثناء فترة التطهير الكبير التي أطاحت بالعديد من المسؤولين السوفيت، اتهم كل من جنريخ ياغودا ونيقولاي بوخارين بتسميم الأديب مكسيم غوركي. وبسبب ذلك، ما تزال ليومنا الحاضر حقيقة وفاة غوركي مسألة غامضة.