أواخر القرن التاسع عشر، اكتملت قصة معاناة سكان مدغشقر بفقدانهم لسيادتهم بشكل رسمي لصالح الفرنسيين الذين دخلوا بجنودهم العاصمة تاناناريف. فبعد سنوات حكم الملكة رانافالونا الأولى (Ranavalona I) التي أسفرت عن سقوط ملايين الضحايا ما بين عامي 1828 و1861، عانت مدغشقر من تقلبات سياسية عديدة تميزت بالمؤامرات والاغتيالات التي كانت أبرزها عملية اغتيال الملك راداما الثاني (Radama II) عام 1863.
وتزامنا مع ذلك، اضطرت مدغشقر لتحمل سياسة قادة شعب ميرينا (Merina)، أهم مجموعة إثنية بمدغشقر، الذين مزّقتهم الخلافات وعجزوا في النهاية عن الحفاظ على استقلالها لتجد بذلك البلاد نفسها عاجزة عن صد التدخل العسكري الفرنسي عام 1895.
سباق للاحتلال
أواخر القرن التاسع عشر، كان السباق الاستعماري حول جزيرة مدغشقر، الواقعة بجنوب شرق القارة الإفريقية والمعروفة سابقا بجمهورية ملجاش، والجزر المحيطة بها على أوجه بين الفرنسيين والبريطانيين. فعن طريق المبشرين المسيحيين والتجار والمهرّبين، حاولت كلتا القوتين الاستعماريتين بسط نفوذهما على هذه المنطقة الإستراتيجية الواقعة بعرض المحيط الهندي.
وبينما اتجه البريطانيون لنشر البروتستانتية بين شعب ميرينا الذين قطنوا المرتفعات العليا، اتجه الفرنسيون للقيام بحملات تبشيرية عند المناطق الساحلية لنشر الكاثوليكية. وقد ساهمت هذه السياسة حينها في زيادة التفرقة وتقسيم شعب مدغشقر الذي عانى منذ سنوات من خلافات عديدة حول إدارة شؤون البلاد.
عام 1883، تذرّع الفرنسيون بتعرض عدد من تجارهم للتنمر ليباشروا بقصف ميناء تواماسينا (Toamasina). ويوم 17 كانون الأول/ديسمبر عام 1885، فرضت فرنسا على ملكة مدغشقر رانافالونا الثالثة (Ranavalona III) اتفاقية أجبرتها من خلالها على التخلي عن خليج دييغو سواريز (Diego-Suarez). أيضا، تضمّنت هذه الاتفاقية بوندا أخرى هيمنت من خلالها فرنسا على السياسية الخارجية للجزيرة وأجبرت سلطات مدغشقر على القبول بوجود مقيم عام فرنسي على أراضيها.
فرنسا تستولي على مدغشقر
إلى ذلك، لجأت الملكة رانافالونا الثالثة للاحتجاج ورفض فقدان بلادها لسيادتها الخارجية. وأملا في إجبارها على الرضوخ لما جاء بالاتفاقية، أرسل الفرنسيون فيلقا عسكريا بقيادة الجنرال دوشين (Duchesne) لمدغشقر. وعقب نزولهم بماجونغا (Majunga) انطلق الفرنسيون نحو العاصمة تاناناريف ودخلوها مطلع تشرين الأول/أكتوبر 1895 قبل أن يباشروا بقصف القصر الملكي.
وأمام هذا الوضع، قبلت رانافالونا الثالثة بالوجود العسكري الفرنسي على أراضيها لتندلع على إثر ذلك ثورة بالبلاد أسفرت عن سقوط عدد هام من القتلى وأعلنت بسببها فرنسا رسميا استعمارها لمدغشقر يوم 6 آب/أغسطس 1896.
وبسبب فشله في القضاء على الثورة، استبدلت القيادة العسكرية الفرنسية الجنرال دوشين بالجنرال جوزيف غالياني (Joseph Gallieni) الذي أوكلت إليه مهمة فرض هيمنة فرنسا على كامل أرجاء مدغشقر. واعتمادا على خبرته بالهند الصينية، لاحق غالياني كل من شكك في ارتباطه بالثورة وأعدم عددا من قادتها رميا بالرصاص كما لجأ عام 1897 لطرد الملكة رانافالونا الثالثة ونفيها للجزائر.
لاحقا، أسس غالياني جهاز شرطة محليا بقيادة فرنسية وأجهض العبودية بمدغشقر مفضلا تعويضها بنظام العمل الإجباري. أيضا، أمر هذا الجنرال الفرنسي بإنشاء مزيد من المدارس والمعاهد بالمنطقة وشجّع المستعمرين على القدوم لمدغشقر واستغلال أراضيها متسببا بذلك في اندلاع ثورة ثانية ما بين عامي 1904 و1905.