هكذا تشرّد الملايين في فييتنام مع رحيل أميركا عن بلادهم

ما بين يومي 29 و30 أبريل 1975، أسدل الأميركيون الستار على آخر فصول حرب فيتنام التي استمرت لأكثر من 19 عاماً وأسفرت عن سقوط ملايين الضحايا.

فمع تقدم قوات فيتنام الشمالية وبلوغها مشارف عاصمة جارتها الجنوبية سايغون، باشر الأميركيون بإجلاء رعاياهم مع العديد من معاونيهم الجنوبيين ضمن عملية الرياح المتكررة التي كان الهدف منها نقل الآلاف من الأشخاص عن طريق المروحيات نحو السفن الحربية الأميركية الرابضة على بعد نحو 40 ميلاً جنوب بحر الصين.

ومع طي صفحة الحرب، وجد العالم نفسه أمام معضلة جديدة تمثلت في أزمة اللاجئين الذين فروا من فيتنام ولاوس وكمبوديا.

فما بين عامي 1975 و1975، فرّ نحو 3 ملايين شخص من ويلات الأنظمة الشيوعية التي تركزت بهذه الدول واضطروا لعبور البحار في ظروف صعبة بحثاً عن ملاذ آمن بكل من تايلند والفلبين وماليزيا. وقد وزّع حوالي 2.5 مليون من هؤلاء اللاجئين حول العالم واستقر مليون منهم بالولايات المتحدة الأميركية.

اعتقال وتعذيب

وبعد مضي أشهر عن سقوط سايغون، وضع الرئيس الأميركي جيرالد فورد، بموافقة الكونغرس، خطة لإجلاء 140 ألف شخص من فيتنام الجنوبية.

إلى ذلك، لم يكن هذا المجهود الأميركي كافياً لإنقاذ مئات الآلاف من الأشخاص ممن قاتلوا لجانب الأميركيين ضد الشماليين طيلة السنوات الماضية حيث واجه هؤلاء مصيراً مجهولاً في ظل حكم الشماليين.

من ناحية ثانية، واجه المثقفون والأكاديميون بفيتنام الجنوبية مصيراً قاتماً. فتزامناً مع دخولهم لسايغون، عمد الشماليون لاعتقال هذه الفئة من الجنوبيين بغية إرسالهم لمراكز إعادة تأهيل حيث تعرضوا لشتى أنواع التعذيب وأجبروا على العمل بالمزارع الجماعية.

حملة دموية

وخلال نفس الفترة، بسط الخمير الحمر، بقيادة بول بوت (Pol Pot)، سيطرتهم على كمبوديا لتشهد بذلك هذه البلاد الواقعة غرب فيتنام حملة دموية استهدفت جميع المثقفين ومعارضي نظام بول بوت الذي أطلق على كمبوديا اسم كمبوتشيا الديمقراطية.

ومع تدهر الحياة الاجتماعية والظروف المعيشية في ظل هذه الأنظمة، عمد الكثير من سكان فيتنام وكمبوديا ولاوس لمغادرتها نحو دول الجوار. وبينما عبر البعض الغابات المليئة بالأفاعي والحيوانات المفترسة لبلوغ تايلند، فضّل آخرون ركوب البحار والمغامرة بحياتهم أملاً في الوصول للفلبين وسنغافورة وهونغ كونغ وماليزيا.

معاملة قاسية

كما قوبل اللاجئون، منذ وصولهم لهذه الدول، بمعاملة قاسية حيث رفض سكان البلدان المضيفة تقاسم مواردهم الغذائية القليلة مع اللاجئين خاصة مع عدم وجود اتفاقيات دولية لمساعدتهم في إطعام هذا الكم الهائل من الوافدين.

وبحلول العام 1979، بلغ عدد الوافدين أرقاماً قياسية. فشهرياً، توافد أكثر من 50 ألف لاجئ على متن قوارب صغيرة نحو كل من ماليزيا وسنغافورة. وأمام هذا الوضع، لجأت هذه الدول لاستخدام العنف لدفع هذه القوارب مجدداً نحو البحر ومنعها من النزول بشواطئها.

من جهة أخرى، كانت ظروف الحياة بمخيمات اللاجئين مزرية. فقد خصص مخيم بولاو بيدونغ (Pulau Bidong) بماليزيا لاستقبال حوالي 4500 لاجئ فقط. لكن بدلاً من ذلك، ازدحم ما يزيد عن 40 ألف لاجئ داخل هذا المكان الضيق وافتقر جلهم للغذاء الكافي.

مئات الآلاف نحو أميركا

وعقب مؤتمر عاجل للأمم المتحدة عام 1979 حول سلامة اللاجئين بكل من الفلبين وماليزيا وسنغافورة وتايلند، تحركت العديد من الدول للمساعدة في إعادة توطين هؤلاء اللاجئين. وما بين عامي 1979 و1982، نجحت الجهود الدولية في إعادة توطين 620 ألف لاجئ من فيتنام ولاوس وكمبوديا بدول كالولايات المتحدة وأستراليا وفرنسا وكندا.

وبينما عارض جل الأميركيين توافد الفيتناميين على أراضيهم، استقبلت إدارة الرئيس الأميركي جيرالد فورد نحو 140 ألف فيتنامي خلال السنوات الأولى التي تلت سقوط سايغون. وبفضل نظام الترحيل المنظم الذي أقرته الأمم المتحدة، استقبلت الأراضي الأميركية ما بين عامي 1979 و1999 نصف مليون لاجئ فيتنامي سمح لهم بالهجرة بشكل مباشر من فيتنام نحو الولايات المتحدة. ومع نزولهم بالمدن الأميركية، نقل هؤلاء الفيتناميون قصصاً مرعبة حول التعذيب الذي تعرضوا إليه بمراكز إعادة التأهيل والمزارع الجماعية.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: