عقب قيادته للأميركيين خلال حرب الاستقلال التي أسفرت عن توقيع اتفاقية باريس خلال شهر سبتمبر 1783 واعتراف البريطانيين باستقلال الولايات المتحدة الأميركية، قرر جورج واشنطن التنازل عن منصبه كقائد للجيش القاري وإنهاء حياته السياسية مفضّلاً العودة نحو مزرعته بفرجينيا.
لاحقاً تشاءم جورج واشنطن من الوضع السياسي الهش بالبلاد. وبعد تردد، قرر العودة مجدداً للحياة السياسية سنة 1787 ليحضر الاجتماع الدستوري في فيلادلفيا. وانتُخب واشنطن لرئاسة الاجتماع الدستوري الذي أقر دستور البلاد وأنهى الخلاف حول عدد من المسائل العالقة المتعلقة بتركيبة مجلس الشيوخ والسلطة التنفيذية.
لاحقاً، فضّل جورج واشنطن العودة مجدداً لمزرعته بفرجينيا متجاهلاً مطالب كثير من الآباء المؤسسين الذين دعوه لتولي منصب أول رئيس بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية. وقد علّل واشنطن في البداية رفضه لهذا المنصب بسبب تقدمه في السن وعدم امتلاكه للمؤهلات الكافية قبل أن يتراجع فيما بعد ويوافق على الترشح لرئاسة البلاد.
وما بين 15 ديسمبر 1788 و10 يناير 1789، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع أول انتخابات رئاسية بتاريخها. وفي خضم هذا الحدث البارز، اكتسح جورج واشنطن المجمع الانتخابي وفاز بجميع الأصوات حاصداً 69 صوتاً ليصبح بذلك أول رئيس للبلاد بينما نال جون أدامز (John Adams) منصب نائب الرئيس.
وانتظر جورج واشنطن 57 يوماً لتأكيد فوزه. فطيلة هذه الفترة، عجز أعضاء الكونغرس عن الاجتماع للمصادقة على نتائج الانتخابات بسبب عدم اكتمال النصاب.
مع سماعه بخبر فوزه بالانتخابات وتأكيد إجراء حفل تنصيبه، غادر جورج واشنطن منتصف شهر أبريل 1789 مزرعته بفرجينيا متجهاً نحو مدينة نيويورك.
وبطريقه، تفاجأ جورج واشنطن من المعاملة التي قدّمها له الأميركيون بالمدن التي مر بها. ففي فيلادلفيا، وضع أحد الأطفال تاجاً من إكليل الغار على رأس واشنطن قبل أن يُجبر على التجول بأرجاء المدينة على متن حصان أبيض. وفي ترينتون (Trenton)، شيّد الأهالي قوساً من الزهور لاستقبال جورج واشنطن وتجمهروا حوله لشكره على دوره بحرب الاستقلال.
ومع بلوغه لمدينة نيويورك، انتظر واشنطن أسبوعاً آخر ناقش خلاله الكونغرس آليات حفل تنصيب الرئيس.
في حدود منتصف يوم 30 أبريل 1789، ركب جورج واشنطن عربته وانطلق عبر شوارع مانهاتن السفلى، التي عجّت بالجنود والمسؤولين السياسيين والدبلوماسيين الأجانب والأهالي، نحو القاعة الفيدرالية حيث قدّم التحية وانحنى لأعضاء غرفتي الكونغرس قبل أن يتوجه لشرفة غرفة مجلس الشيوخ لأداء اليمين أمام المحامي والمستشار روبرت ليفنغستون (Robert Livingston) وبحضور نحو 10 آلاف شخص.
ووسط تصفيق الحاضرين، انسحب جورج واشنطن برفقة عدد من المسؤولين نحو غرفة مجلس الشيوخ حيث قدّم أول خطاب تنصيب بتاريخ البلاد. وقد أكد واشنطن حينها على شعوره بالسعادة لاختياره لقيادة الولايات المتحدة الأميركية، كما عبّر في الآن نفسه عن قلقه بسبب هذه الوظيفة الجديدة وحملها منوهاً لعدم امتلاكه خبرة في مجالات عدّة كمجال الإدارة المدنية. لاحقاً، تحدث جورج واشنطن بشكل عام فأكد على ضرورة وحدة البلاد وتكريس قيم الجمهورية ووعد بالعمل لمصلحة كامل الأميركيين وتجنب الأحكام المسبقة.
على حسب السيناتور عن ولاية بنسلفانيا وليام ماكلاي (William Maclay)، بدت ملامح الارتباك واضحة على جورج واشنطن أثناء إلقائه لخطاب تنصيبه. وبشكل ساخر، أكّد هذا السيناتور أن جورج واشنطن لم يكن مرتبكاً لهذا الحد عندما واجه المدافع والبنادق بحرب الاستقلال.