يوم 28 تموز/يوليو 1914، شهد العالم بداية الحرب العالمية الأولى التي وضعت خلال أسابيعها الأولى جيوش كل من الإمبراطورية الروسية وبريطانيا وفرنسا في مواجهة الجيوش الألمانية والنمساوية. وقد جاءت بداية هذه الحرب على إثر حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند (Franz Ferdinand) بالعاصمة البوسنية سراييفو يوم 28 حزيران/يونيو 1914 واتهام مجموعة من الصرب المتطرفين المنتمين لمنظمات كاليد السوداء والبوسنة الشابة بتدبير وتنفيذ عملية الاغتيال.
وبسبب ذلك، دخل العالم في حرب طاحنة استمرت لأكثر من 4 سنوات وأسفرت عن سقوط ما يزيد عن 20 مليون شخص بين قتيل وجريح.
من جهة ثانية، شهدت الحرب العالمية الأولى العديد من التجاوزات حسب المفاهيم القانونية والدولية الحالية. فإضافة لاستخدام أسلحة محرمة كالغاز الكيماوي، عمدت أغلب الأطراف المتحاربة لتجنيد الأطفال للمشاركة بالأعمال القتالية وهو ما أدى لوفاة كثير منهم على ساحات القتال.
تجنيد الأطفال بالجيش الروسي
إلى ذلك، كانت روسيا واحدة من الدول التي عجّت قواتها بالأطفال. فعلى حسب القانون الروسي، حدد السن القانوني لعملية التجنيد خلال فترة حكم القيصر نيقولا الثاني بتسعة عشر عاما.
لكن خلال الحرب العالمية الأولى، تهافت عدد كبير من الأطفال، ممن تركوا المدارس وفروا من منازلهم، نحو مراكز التجنيد أملا في الانضمام لجيش القيصر. وعلى حسب العديد من المصادر، كان من ضمن هؤلاء الأطفال آلاف ممن بلغوا بالكاد التسع سنوات.
ولقبول هؤلاء الأطفال الذين تهافتوا على مراكز التجنيد إما بمفردهم أو في مجموعات، احتاج المسؤولون الروس لموافقة آباء هذا الكم الهائل من المتطوعين الصغار القصّر. وأمام عدم وجود وثيقة تثبت موافقة الآباء على عملية التجنيد، تقوم الشرطة الروسية القيصرية بالقبض على هؤلاء الأطفال لإعادتهم لعائلاتهم. في الأثناء، لم يمنع ذلك المتطوعين القصّر من تكرار فعلتهم حيث يعمد هؤلاء حال عودتهم لمنازلهم للفرار ثانية من أجل الالتحاق مجددا بمراكز التجنيد.
من جهة ثانية، لجأ العديد من الأطفال للكذب للالتحاق بالجيش القيصري فتحدثوا عن كونهم يتامى وأطفال شوارع للحصول على موافقة المسؤولين بمراكز التجنيد. إلى ذلك، لم يكن الجنود الروس سعداء بمشاهدة أطفالهم لجوارهم على جبهات القتال حيث صنّف هؤلاء المتطوعون الصغار، المقدر عددهم بعشرات الآلاف، كعائق يعطّل تقدمهم.
مهمات للأطفال بالجيش
وفي حال قبولهم بالجيش القيصري والتحاقهم بجبهات القتال، يحصل الأطفال في الغالب على مهمات بسيطة تتمثل في نقل ذخيرة البنادق والطعام وتوصيل التقارير والرسائل ومساعدة المصابين. في المقابل، ينال البعض الآخر مهمات خطرة وصعبة حيث يتم إرسالهم في مهمات استطلاعية بالقرب من مواقع العدو بالمدن والقرى لجمع المعلومات.
أيضا، حصل عدد من الأطفال على أوسمة ومراتب عسكرية بسبب تفوقهم على ساحات القتال. فعلى سبيل المثال، يذكر التاريخ اسم الطفل جيورجي ليفين (Georgy Levin) الذي قاد عمليات استطلاعية ناجحة وأنقذ أحد رفاقه وتمكن من تدمير مدفع ألماني. وبفضل هذه الإسهامات، نال الأخير وهو في الخامسة عشرة من العمر وسام صليب القديس جورج.
من ناحية، شاركت العديد من الفتيات الروسيات القاصرات بالحرب العالمية الأولى حيث تطوعن في الغالب ليكلفن بمهمات اقتصرت أساسا على مساعدة المصابين. إلا أن ذلك لم يمنع بعضهن من اعتماد طرق ملتوية لبلوغ جبهات القتال. فعلى سبيل المثال، عمدت الفتاة كيرا باشكيروفا (Kira Bashkirova)، البالغة من العمر 14 عاما، لحلق شعرها وتقدمت لمركز التجنيد حاملة وثائق أحد أقربائها لتجد نفسها بساحات القتال وتحصل عقب إحدى المهمات على وسام صليب القديس جورج.
ومع نجاح الثورة البلشفية وخروج روسيا من الحرب العالمية الأولى، غاصت البلاد في ويلات الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من 5 سنوات. ومرة أخرى، لم يتردد هؤلاء الأطفال في حمل السلاح للقتال إما مع الجيش الأحمر أو الجيش الأبيض.