هكذا حاول البابا إنهاء الحرب العالمية الأولى وتوقع حربا ثانية

بعد مضي شهر واحد عن حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند (Franz Ferdinand) يوم 28 حزيران/يونيو 1914 بالعاصمة البوسنية سراييفو، عاش العالم على وقع اندلاع الحرب العالمية الأولى التي استمرت لأكثر من 4 سنوات وأسفرت عن سقوط أكثر من 20 مليون شخص بين قتيل وجريح وأدت لتغييرات سياسية هامة بأوروبا تزامنا مع انهيار عدد من الإمبراطوريات القديمة كالإمبراطورية الروسية وإمبراطورية النمسا المجر والإمبراطورية الألمانية واضمحلال الدولة العثمانية.

وفي خضم هذا الصراع الدامي، حاولت بعض الشخصيات البارزة إعادة السلام للقارة الأوروبية وإنهاء معاناة الجنود على جبهات القتال. ومن ضمن هذه الشخصيات، يذكر التاريخ اسم البابا بندكت الخامس عشر (Benedict XV) الذي حاول جاهدا عقد مؤتمر سلام عالمي وإيجاد مخرج لهذه الفترة الصعبة من التاريخ العالمي.

انتحار أوروبا المتحضرة

إلى ذلك، بدأت الفترة الباباوية لبندكت الخامس عشر، أصيل منطقة جنوة الإيطالية، يوم 3 أيلول/سبتمبر 1914. وقد حصل الأخير حينها على لقب البابا خلفا لبيوس العاشر (Pius X) الذي توفي يوم 20 آب/أغسطس 1914 عن عمر يناهز 79 عاما.

ومنذ بداية فترة حبريّته، أبدى بندكت الخامس عشر مواقف مناهضة للحرب العالمية الأولى التي اندلعت قبل حوالي شهرين وتسببت منذ بدايتها في سقوط أعداد كبيرة من القتلى على كلا الجبهتين. ومن خلال التصريحات التي أدلى بها، أكّد البابا على أهمية الدور الذي قد تلعبه الكنيسة للضغط على العالم المسيحي لإنهاء الحرب العالمية الأولى التي شبّهها بعملية انتحار أوروبا المتحضرة.

وخلال شهر كانون الأول/ديسمبر 1914، طلب البابا بندكت الخامس عشر من الدول المتحاربة عقد هدنة مؤقتة خلال فترة الكريسماس واستغلالها لبدء مفاوضات سلام.
وعلى الرغم من عدم وجود هدنة رسمية بين الدول، شهدت بعض نقاط التماس على الجبهتين الغربية والشرقية هدنات مؤقتة أثناء فترة الكريسماس. أيضا، استغل بندكت الخامس عشر مكانة الكنيسة ليبدأ بحملة جمع خلالها عشرات الملايين من الليرات الإيطالية التي سرعان ما أنفقها على أغراض إنسانية كتوفير الطعام ونقل الرسائل لأسرى الحرب.

معاهدة مهينة وحرب أكثر دموية

ما بين عامي 1916 و1917، حاول البابا بندكت الخامس عشر إقناع الفرنسيين والألمان بالجلوس لطاولة المفاوضات. وقد لقيت محاولات الأخير حينها فشلا ذريعا. فبينما رفض الألمان البروتستانت هذه الدعوة ووصفوها بالمهينة، عبّر رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمونصو (Georges Clemenceau)، المعادي للكنيسة، عن رفضه القاطع لأي سلام بابوي متهما الفاتيكان بمعاداة الشعب الفرنسي.

مطلع شهر آب/أغسطس عام 1917، قدّم بندكت الخامس عشر مقترحا احتوى 7 نقاط لإنهاء الحرب العالمية الأولى. ومن خلال هذه النقاط، دعا البابا لاعتماد العقل والأخلاق والحوار بدل الاحتكام للسلاح وأكد على ضرورة تنظيم وضمان حرية الملاحة الدولية والحد من التسلح والعودة لحدود ما قبل 28 تموز/يوليو 1914 والتنازل عن التعويضات المادية.

مع نهاية الحرب العالمية الأولى، انتقد البابا بندكت الخامس عشر بشدة معاهدة فرساي ووصفها بالسلام المؤقت محذرا من إمكانية اندلاع حرب عالمية أخرى أكثر دموية خلال السنوات القادمة.

يوم 22 يناير 1922، توفي بندكت الخامس عشر عن عمر يناهز 67 عاما عقب إصابته بالتهاب رئوي. وبعد مضي 17 عاما، تحققت توقعات بندكت الخامس عشر حيث اجتاحت ألمانيا الأراضي البولندية معلنة بذلك بداية الحرب العالمية الثانية التي أسفرت عن سقوط ما يزيد عن 60 مليون قتيل.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: