أثناء فترة حكمه للاتحاد السوفيتي التي استمرت لأكثر من ربع قرن، تسبب القائد السوفيتي جوزيف ستالين في مقتل ما يزيد عن 20 مليون شخص. وبينما توفي البعض بالمجاعات والإعدامات والإرهاق بمعسكرات العمل القسري، واجه آخرون الموت أثناء عمليات الترحيل الجماعية نحو المناطق النائية من البلاد. ومن خلال هذا الإجراء، حاول ستالين حينها إعمار عدد من الأراضي والمساحات الخالية من السكان بالاتحاد السوفيتي.
إلى ذلك، أسفرت عمليات الترحيل هذه عن كوارث وأزمات إنسانية عديدة، ولعل أبرزها تلك التي حلت بالمرحّلين نحو جزيرة نازينو (Nazino) المعزولة والواقعة غرب سيبيريا على بعد 800 كيلومتر شمال تومسك (Tomsk) عند التقاء نهر أوب (Ob) بنهر نازينا.
وتعود جذور هذه الأزمة للعام 1917. فخلال تلك الفترة، أُجهِض نظام جواز السفر الداخلي بالبلاد من قبل البلشفيين. وقد اعتبر فلاديمير لينين ورفاقه حينها هذا الجواز أداة بورجوازية لتقييد حركة الفلاحين والعمال داخل وطنهم. تزامناً مع ذلك، لم يتردد عدد هام من الفلاحين في الرحيل عن الحقول هرباً من ويلات الفقر والجوع للبحث عن فرصة عمل بالمدن.
وبشكل سريع، أثبت إلغاء نظام جواز السفر الداخل فشله حيث خلقت هذه الهجرة الداخلية أزمة حادة بالمساكن وفرص العمل بالمدن. وبسبب ذلك، بات منظراً مألوفاً مشاهدة أعداد هائلة من المتشردين والمتسولين بشوارع كبرى المدن السوفيتية.
في مطلع الثلاثينيات، لم يتردد ستالين في إعادة فرض نظام جواز السفر الداخلي لتقييد حركة الفلاحين ووقف نزيف هجرتهم نحو المدن. وبينما حصل العمال بالمدن على هذا الجواز، حُرم الفلاحون منه واضطروا بسبب ذلك للمكوث بمناطقهم غير قادرين على مغادرتها.
ويومياً، جابت قوات "مفوضية الشعب للشؤون الداخلية" المدن السوفيتية للتثبت من وثائق المواطنين ونوعية إقامتهم بالمدن. وبسبب ذلك، اعتُقل الفلاحون والمتشردون الذين افتقروا لهذه الوثائق، وواجهوا عقوبات عديدة تراوحت بين مراكز العمل القسري والترحيل نحو المناطق النائية.
وبسبب ظهور فكرة غريبة، راقت لستالين، داخل الحزب الشيوعي تقضي بإرسال المعتقلين داخل شوارع المدن السوفيتية نحو مناطق نائية من سيبيريا لإعمارها وإجبارهم على العمل بها، باشر الاتحاد السوفيتي بترحيل الفلاحين والمتشردين وعدد من المعارضين في ظروف صعبة نحو وسط سيبيريا.
ومن ضمن المرحّلين، حل خلال شهر مايو 1933 نحو 6000 شخص بجزيرة نازينو حيث أنزلوا بها تحت حراسة مشددة من قوات "مفوضية الشعب للشؤون الداخلية". وقرر المسؤولون السوفييت وضع هؤلاء المرحّلين بهذه الجزيرة لفترة مؤقتة قبل نقلهم نحو منطقة أخرى بسيبيريا.
وبنازينو، افتقر هؤلاء المرحّلون لأماكن نوم ملائمة وعانوا من ويلات الطقس البارد. فخلال أول يوم لهم بالجزيرة، نزلت درجة الحرارة لما دون الصفر. فضلاً عن ذلك، عانى هؤلاء المواطنون السوفيت من نقص حاد في الغذاء حيث تم تسليمهم كميات ضئيلة من الطحين فقط. وأملاً في سد جوعهم، لم يتردد أغلبهم في التجول بالجزيرة لصيد الحشرات وأكلها.
خلال الأيام التالية، فارق المئات من المرحّلين الحياة إما بسبب الجوع والبرد أو على يد الحراس المتواجدين حول الجزيرة. وأمام افتقارهم للغذاء، شكّل المهجّرون فيما بينهم فرقاً وعصابات لجأت لترهيب الآخرين وقتلهم بهدف التغذي على لحومهم. وبسبب ذلك، كسبت نازينو اسم "جزيرة آكلي لحوم البشر".
وبعد نحو شهر، أجلي من تبقى على قيد الحياة من الجزيرة. ومن بين كل من حلوا بنازينو، أحصى المسؤولون السوفيت نحو 2000 ناج فقط نقلوا فيما بعد لمناطق أخرى وفارقوا الحياة بها بسبب الجوع.