بداية من خريف عام 1845، اضطرت أيرلندا لمواجهة موجة مجاعة، عرفت لدى كثيرين بمجاعة البطاطس، أسفرت عن تراجع حاد في عدد سكانها. فبسبب السياسة البريطانية المعتمدة حينها، أجبر الأيرلنديون على استغلال النسبة الساحقة من أراضيهم الفلاحية في زراعة البطاطس لتتحول بذلك هذه الخضراوات لمصدر الغذاء الرئيسي لأيرلندا.
وخلال العام 1845، حصل ما لم يكن في الحسبان حيث شهدت أيرلندا تفشي مرض اللفحة المتأخرة الذي أصاب البطاطس وأفسد المحاصيل خالقا بذلك أزمة غذائية حادة بها. وعلى مدار نحو 4 سنوات، عانى الأيرلنديون من مجاعة سرعان ما تفاقمت بسبب السياسات البريطانية التي واصلت عملية تصدير بعض المنتجات الغذائية الأيرلندية الأخرى كالقمح والشعير. وما بين 1845 و1849، أسفرت مجاعة البطاطس الأيرلندية عن وفاة ما لا يقل عن مليون أيرلندي وهجرة ملايين آخرين نحو دول أخرى كانت أهمها الولايات المتحدة الأميركية.
بوسطن ترد الجميل
ومع توافدهم على المدن الأميركية بأعداد كبيرة، نقل الأيرلنديون معهم أخبار أهوال المجاعة التي عصفت ببلادهم واقترنت سنة 1847 بشتاء بارد وقاس أدى لتفاقم الأزمة وساهم في ارتفاع أعداد الوفيات بشكل غير مسبوق. إلى ذلك، مثلت مدينة بوسطن (Boston) بولاية ماساشوستس (Massachusetts)، على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية، إحدى أهم المناطق التي أقبل عليها المهاجرون الأيرلنديون الفارون من المجاعة.
ومع سماعهم لأهوال ما يحصل بأيرلندا، ضرب سكان بوسطن الذين عانوا من خلافات دينية بسبب انقسامهم بين كاثوليكيين وبروتستانت مثالا في التعاون حيث فضّل الجميع ترك خلافاتهم جانبا لمد يد العون للأيرلنديين ورد الجميل لهم على حادثة وقعت قبل نحو قرنين بماساشوستس. ففي حدود سنة 1676، حلّت عند مستعمرات بليموث (Plymouth) وخليج ماساشوستس سفينة أيرلندية حملت اسم كاثرين (Katherine) قادمة من دبلن (Dublin) وحاملة معها مساعدات غذائية هائلة لأهالي هذه المناطق، التي كانت من ضمنها بوسطن، في خضم حرب الملك فيليب.
الأميركيون يجمعون المساعدات
ولمساعدة الأيرلنديين، اجتمع خلال شهر شباط/فبراير 1847 عدد من كبار رجال الأعمال بمدينة بوسطن وراسلوا الكونغرس مطالبين بمنحهم سفينة حربية لنقل المؤن الغذائية لأيرلندا. وعلى الرغم من حالة الحرب ضد المكسيك حينها، وافق الرئيس جيمس بولك (James K. Polk) على مشروع الكونغرس لمساعدة أيرلندا الذي مرر مطلع شهر آذار/مارس من نفس السنة لتمنح بذلك سفينة يو أس أس جيمستاون (USS Jamestown) لعدد من المدنيين بقيادة البحار والتاجر روبرت بينيت فوربيس (Robert Bennet Forbes) الذي حقق ثروة طائلة من تجارة الأفيون بالصين.
وخلال فترة وجيزة، تكافل الجميع لجمع مساعدات لأيرلندا حيث تهافت العديد من الأثرياء من المناطق الواقعة ما بين ولايتي ماين (Maine) وأركنساس (Arkansas) لمد يد العون لبوسطن في جهودها الرامية لمساعدة أيرلندا. وقد أسفرت هذه المجهودات عن جمع مبلغ قدر بنحو 150 ألف دولار بفضل إسهامات المتبرعين حيث لجأت الكنائس لقيادة حملات تبرع عديدة بين روادها كما قدم الأطفال بالمدارس المبالغ المالية الضئيلة التي حملوها معهم كمصروف يومي. من جهة ثانية، أقدم المهاجرون الأيرلنديون على اقتناء كميات وافرة من الطحين والبطاطس ونقلوها نحو الموانئ أملا في إنقاذ أقربائهم الذين ضلوا عالقين بأيرلندا.
أيضا، قدمت شركات السكك الحديدية إسهامات ملموسة ووافقت على نقل جميع المؤن نحو ميناء بوسطن بشكل مجاني على عرباتها ودعت الناس للتبرع بكثافة لإنقاذ الأيرلنديين.
المساعدات بأيرلندا
وخلال ما صنف كواحدة من أولى عمليات التكافل والتبرع لطرف أجنبي في تاريخهم، تمكن الأميركيون من جمع أكثر من 8 آلاف برميل من البازلاء والطحين واللحم المجفف والذرة والأرز والبطاطس وشحنوها على متن السفينة يو أس أس جيمستاون التي جردت من مدافعها.
وقد انطلقت هذه السفينة بقيادة القبطان فوربيس لتحل بأيرلندا بعد 15 يوما أين استقبلت بحفاوة بميناء كورك (Cork). في الأثناء، وزعت المساعدات الغذائية على عشرات آلاف الأيرلنديين مساهمة بذلك في توفير وجبات دسمة لهم ومنتزعة الكثيرين من براثن الموت جوعا. من جهة ثانية، تركت المساعدات الغذائية التي حلت بأيرلندا حينها بصمة ضلت خالدة لدى الأجيال التالية بكورك. فبعد رحيل السفينة يو أس أس جيمستاون، أطلق كثير من الأيرلنديين بمدينة كورك أسماء بوسطن وفوربيس على أبنائهم.