بعد عاصفة الغضب والتهديدات التي طالت صور وفيديوهات عريسين يمنيين من تعز، استغرب نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن، نشوب حملة منشورات عنيفة تحولت إلى قضية "رأي عام".
هذا الأمر أثار ضجة بين أوساط اليمنيين على موقع فيسبوك بتعليقات حادة رافقتها كلمات إساءة وتشويه وانتقادات وإطلاق أحكام دينية وكيل شتائم، انهالت على العريسين دفعة واحدة لمجرد أنهما قررا الاحتفال بزواجهما في فعالية جماهيرية مفتوحة مرتديين زيّاً شعبياً تراثياً يماثل حفلات زفاف الأجداد في نفس المنطقة بتعز.
النشطاء: العروسان لم يقصفا المدن.. ولم يشردا نازحاً واحداً
وعقب انتشار فيديو العريسين وهما يحتفلان بزواجهما بالزي الشعبي الخاص بالمدينة في منتزه مفتوح أمام جموع الناس ضمن مهرجان فني خاص نظمه مكتب الثقافة بتعز بهدف إحياء التراث التعزي والموروث اليمني الأصيل، تساءل نشطاء متضامنون مع العريس عقبة عباس، عن الجرم الذي ارتكبه هو وعروسه حتى يتعرضا لهذه الحملة الشرسة من التنمر والتهديد والطعن في كرامتهما، وهما مجرد عريسين لم يقصفا المدن ولم يشردا نازحاً واحداً أو يقتلا أحدا، فقط تزوجا بالطريقة التي يريدانها.
هاشتاغات متضامنة ورسائل مفحمة إلى حرّاس الفضيلة
فيما رفع حقوقيون وإعلاميون يمنيون هاشتاغات للتضامن مع العريس عقبة وقرينته، موجهين رسائل مجتمعية لأبناء محافظة تعز وبالأخص المنتقدين وحراس الفضيلة، بأنه لو كانت هذه الحملة حرفت مسارها للاحتجاج الشعبي وتحريك الرأي العالمي لقضية حصار المدينة من قبل ميليشيات الحوثي على مدى ثماني سنوات عجاف.
وتساءلوا كيف صمت هؤلاء المتنمرون الغيورون على القيم والتقاليد عن معاناة مدينتهم التي خنقها أنصار الظلام وأشباح الموت وقناصو الأطفال، وتجاهلوا مآسي الأرامل وآلام اليتامى وقهر النازحين في مدينة تختضن 7000 أسرة شهيد و35 ألف جريح ومئات الأسرى والمختطفين خلف أسوار سجون القمع والإذلال.
رد العريس للمتنمرين: لست سبباً في معاناتكم وحصار مدينتكم
ورداً على حملة التشويه من المنتقدين والمتنمرين، قال العريس عقبة عباس في تصريح خاص لـ"العربية.نت": "شكراً لكل الذين غمرونا بوقوفهم معي ومع عائلتي حقاً، وشكراً لكل الحقوقيين والإعلاميين المتضامنين مع موضوعي الذي هو بالأساس شأن شخصي، وردي على هؤلاء المنتقدين سواء للزّي الشعبي أو طريقة زفافي، أقول لهم هذا الأمر ليس حدثاً يهم شؤونكم الأسرية ولا اقتصادكم ولا أمنكم وأمانكم واستقراركم المعيشي".
وأضاف عقبة وهو رئيس تيار نهضة اليمن فرع تعز: "هنالك قضايا أهم يمكنكم شن حملاتكم عليها ليس أولها حصار مدينتنا تعز التي شهدت على مدى ثماني سنوات عجاف قصصاً مروعة من القتل والقنص والتدمير، ولاتزال هناك الكثير من قصص الضحايا والأسرى والمختطفين الذين يستحقون أن تطلقوا لأجلهم حملات احتجاج على من كانوا سبباً في القتل والتشريد والدمار والنزوح.. أما قضيتي فإنني أخجل من كونكم أعطيتموها هذا التهويل، وكأنني السبب في كل هذه المآسي والمعاناة التي يعيشها 4 ملايين إنسان في محافظة تعز.. وأقول لكم شكراً لسعيكم وذوقكم، وسأعتبر هذه الحملة تهنئة خاصة منكم، كل عبر فيها عن سلوكه وطبعه على طريقته".
حدث زفاف فرائحي وإشراقة جمال للموروث التعزي
ورصدت "العربية.نت" تعليقات النشطاء التي انقسمت ما بين ثلة غاضبة تعارض فكرة الزفاف في منتزه مفتوح أمام جموع الناس، وبين أغلبية داعمة تتضامن مع العروسين، تقول الشاعرة العنود عارف إن صورتهما أجمل حدث فرائحي منذ سنوات الحرب والحصار، فيما وصفت الناشطة هنادي أنعم صورة العروسين بأنها تظاهرة للجمال وإشراقة حضارية للموروث القديم".
في المقابل، غرقت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات وهاشتاغات تتطاول على العريس وعروسه وتعالت أبواق الشتائم بذريعة الحفاظ على الحشمة والشرف، واستغرب عبدالله فرحان ذلك الهجوم والتشويه معتبراً أن زفاف عقبة وقرينته بلباس تراثي ولثام أسود ملفوف على وجهها يمثل السقف الأعلى من التحشم".
متنمرون: هذا تدمير ممنهج للمجتمع التعزي لتجريده من القيم
وجاءت تعليقات المتنمرين رافضة لإقامة عرس في ساحة مفتوحة، معتقدين أن المنظمات الحقوقية العاملة باليمن هي وراء هذه الحملة الشرسة التي تهدف إلى تدمير ممنهج على المجتمع التعزي وتجريده من القيم.
واعتبر سمير إبراهيم أن "الخلاف ليس على زيهما الذي ظهرا به بل بطريقة استعراض العريس وعروسه أمام الرجال، مشيراً إلى أن ذلك تمرد على التقاليد اليمنية التي تفرض على المرأة الحشمة بكونها جوهرة مصونة ليست للعرض".
وقال حسن ربيد: "تعز تتعرض لحصار منذ ثماني سنوات وقصف لا يتوقف حتى يوم أمس، والمفترض أن الفعاليات الرسمية تصب في فك الحصار عن تعز وحماية المدنيين من قصف الحوثي، واستعادة باقي المناطق التي تحت سيطرة ميليشياته، أما بخصوص الزفاف فإنه يتنافى مع العادات والتقاليد اليمنية السائدة اليوم من المهرة إلى صعدة".
ناشطة: ألم تستثركم صور النساء على طوابير الغاز
ووجهت حياة الذبحاني رسالة مؤثرة للمنتقدين قائلة: "ليتكم كتبتم عن تهالك خدمات المشافي وأخطاء الأطباء وتردي العملية التعليمية والأوبئة التي تفتك بالبشر وانعدام الخدمات وتكدس القمامة ومتاجرة الكهرباء، حيث خاطبت جمهور المتنمرين، قائلةً: "كيف لم تستثركم صور الأطفال المقتولين والمبتورين والأيتام وعذابات الجرحى المشلولين وصرخات الثكلى، ولم يستفزكم انقطاع الرواتب والفساد الذي يعصف بالمدينة وصور الجائعين والمشردين والنساء المتسولات في الشوارع اللواتي أصبحن عرضة للاستغلال من الذئاب البشرية".
كما تساءلت الذبحاني: "ألم تستثركم صور النساء وهن يحملن الماء فوق رؤوسهن في شوارع المدينة وأمام طوابير الغاز ودموع الحرب والقهر والظلم ومرارة الحرمان، لم تكترثوا لخرق الهدنة وقذائف الحوثي في العيد للأطفال في الحديقة ولمركز الأمل للسرطان، أجزم أنكم لو كتبتم عن ذلك كما تفاعلتم مع الصورة ربما لصنعتم فارقاً كبيراً".