تداول ناشطون يمنيون مقطع فيديو تضمن تجربة مجتمعية حول معاناة النازحين في مدينة عدن اليمنية، والمقطع رغم أنه تمثيلي إلا أنه حمل مآسي البلد الحضاري الذي عرف شعبه بقيمه في جمال التعايش وفن التسامح المستوحى من سمو حكمته اليمانية، وأثار تعاطفاً وحزناً إزاء حال ملايين ممن شردتهم آلة الحرب من منازلهم وجرفتهم الصراعات نحو مصائر حالكة مختومة بالخطر المحدق، لتلقي بهم من مناطق الذعر والفقر والجوع إلى مدن تبعد آلاف الكيلومترات بحثاً عن شظف الأمان المفقود.
رسالة يصعب تهجئة حروفها
يظهر في الفيديو رجل نازح يحمل رسالة مكتوبا عليها عبارة "روح استأجر في المدينة اللي جيت منها.. نحن مش ناقصين نازحين"، الرجل استوقف كثيرا من الناس في أحياء المدينة النابضة بالقيم الجميلة، ليقرأوا له مضمونها كونه لا يستطيع القراءة، لكن اللافت أن معظم هؤلاء تلكأوا قبل إكمال قراءتها متحججين بأن الخط غير واضح، لكنهم في الحقيقة، وجدوا صعوبة في تهجئة حروفها، وتباينت الانطباعات وردود الأفعال التي غلفها الحزن والتحسر على بلاد باتت تعيش أسوأ أزمة نزوح داخلي جراء القصف والدمار الذي طال البنيان والإنسان معاً.
الحب موطنه عدن
وتعليقاً، على هذه التجربة الاجتماعية، يقول عبدالله مبارك الجهيمي:" كل هذا الضخ الإعلامي الذي يصوّر النازحين أنهم السبب الرئيسي في كل المشكلات التي تحدث في عدن قُضي عليه بمقطع بسيط أظهر لنا موقف أهل عدن من النازحين، معتبراً أن الحب موطنه عدن وأهلها".
عدن منذ القدم حاضنة طوائف وعرقيات مختلفة
من جانب آخر، ترصد "العربية.نت"، عبر هذا التقرير الاستقصائي، انطباعات ناشطين عن تعاملهم مع النازحين القادمين من محافظات أخرى، الهاربين جراء اشتعال وتيرة العنف وارتفاع أرقام القتلى والضحايا نتيجة احتدام الصراعات التي تأكل الأخضر واليابس. وأكدوا أن مدينة عدن منذ القِدم عُرفت باحتضانها الجميع من طوائف وعرقيات مختلفة يتشاركون الحياة بسلام وتعايش.
ويقول إيلاف عبدالله، إن مدينته صنعاء تتعامل مع النازحين على أنهم أبناء الأرض والهوية، لهم ما هو لسكانها الأصليين وأكثر ، ويضيف: "لا يمكن وصف حال النازح اليوم سوى بالقول إن النازح مني وأنا منه، ويمكن تقديم كل ما ينقصه فعلاً، وهذا هو محض طبع يمني أصيل".
فيما يعارض آخر فكرة الاحتواء ويبرر سبب رفض استقبال بعض النازحين، قائلاً: "مدينة عدن تستقبل أي نازح نزيه ومحترم لا يشوه منظر المدينة من خلال نقله عادات قروية إلى المدينة أو يتجول ويشحذ بالشوارع، بينما يعيش في مخيم يوفر له مقومات العيش".
هذا هو أكبر مخيم للنازحين في اليمن
إلى ذلك، تمتلك مدينة مأرب مخيم الجفينة، وهو أكبر مخيم للنازحين في اليمن، وكانت قد جمعت الكل واقتطعت جزءا منها ليسكنه النازحون. ووفق ناشطين فقد اعتزم محافظ المدينة تشكيل لجنة خاصة بإحصاء أعداد النازحين داخل عدن، بهدف توفير مخيمات وتأمين أدوات مبيت وسلال غذائية توفر لهم العيش بأمان.
أرض تنزف نازحين.. وحروب مجاعة بالتقسيط المريح
وكان آلاف النازحين من مدن كثيرة مثل الحديدة وتعز ومأرب وحضرموت وشبوة، يتدفقون بأعداد هائلة إلى حدود الكثير من المحافظات البعيدة، تتعدد الأسباب والمأساة واحدة إما جراء نيران الحرب أو الجوع والخوف، إلا إن غالبيتهم هاربون من صنعاء وحربها، ومن عدن وغلاها، ومن مأرب وتفجيراتها، نزوح من حرب إلى حرب ومن خراب إلى خراب، وجميع أراضي اليمن السعيد تنزف، وأبناؤها يموتون كل يوم ويتألمون بالتقسيط.
نظرة مناطقية ولفظة مرفوضة تحمل شتيمة عنصرية
يقول محفوظ علي:" لا يزال البعض ينظر إلى النازح بدونية ونقص وبمناطقية وحزبية مع أن النازح لم يخرج من داره عبثاً ولم يتجرأ على ترك أرضه إلا بسبب ظرف قهري أجبره على ذلك. فهذه النظرة منبوذة في مجتمع أهل الحكمة والقلوب اللينة، لهذا لا يجب التحلي بمثل هذا الموقف المشين، بل يتوجب التعامل مع النازح بلين ورقة ولطف بكونه فردا من مجتمع منفتح ومتفتح.
كل يمني مستقر هو مشروع نازح قادم
وعبر عينة من أبناء عدن بأن العنصرية لفظة مرفوضة في الثقافة المجتمعية، بينما يعتبرون كلمة نازح بأنها "شتيمة عنصرية" وهو ابن الأرض طالما هو يمني. ويؤكد هشام عبدالصمد الحقيقة المؤلمة فيقول:"كل يمني يجب أن يعرف أنه مشروع نازح قادم، حتى لو كان في أحصن المدن أو القرى"، "فهذه الحرب" بحسبه "لا تزال بأيدي أناس لا نعرفهم ربما يتفقون في لحظة على دخول مدينة أو الانسحاب منها، تدخل الحرب لمنطقة وتهدأ في أخرى.. تنقسم الجماعة التي تحكم منطقتك وتتحارب فيما بينها.. تتدخل دولة أخرى أو تدخل جماعة جديدة على الخط الساخن، لا يزال الوقت مبكراً للاستعلاء على النازح أو معاملته بقسوة فربما تكون أنت ذلك النازح بعد فترة".
مليونا نازح على شفير المجاعة
في السياق ذاته، يشير تقرير نشرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى أن غالبية المناطق الآمنة باليمن تشهد اكتظاظاً خانقاً نتيجة تدفق أكثر من 800 ألف نازح بلا مأوى، يخيمون وسط موجات البرد القارس بجهود ذاتية وأمعاء خاوية. في المقابل، هناك أكثر من مليونين ونصف المليون من أصل 4 ملايين نازح يعيشون على شفير المجاعة، ووفق تقرير المفوضية فإن 64% من العائلات النازحة ليس لديها مصدر دخل. ويكسب آخرون أقل من 50 دولاراً أمريكياً في الشهر لا تفي بتأمين قوتهم اليومي، وتلجأ عائلتان من كل 3 عائلات نازحة إلى التسول، وقد ينام أطفالها على وجبة واحدة، يحاولون مقاومة الجوع ولسعات البرد من أجل البقاء.