مطلع العام 1976، عاش الأميركيون على وقع حالة من الهلع عقب عدد من حالات الوفيات المريبة. فيوم الرابع من شهر شباط/فبراير، انهار الجندي ديفيد لويس البالغ من العمر 19 سنة بمعسكر فورت ديكس (Fort Dix) بولاية نيوجيرسي قبل أن يفارق الحياة مثيرا حيرة أطباء المعسكر.
وعقب جملة من التحاليل المخبرية، كشفت النتائج إصابة ديفيد لويس بنوع من أنفلونزا الخنازير مشابه لدرجة كبيرة لذلك الذي ظهر عام 1918 فتسبب في جائحة الأنفلونزا الإسبانية التي أسفرت عن وفاة حوالي 650 ألف أميركي. وخلال الأيام التالية، سجلت الولايات المتحدة الأميركية عشرات الإصابات الإضافية عقب إجراء تحاليل مخبرية للجنود المتواجدين داخل فورت ديكس. وتزامنا مع ارتفاع عدد الإصابات، عنونت صحيفة نيويورك تايمز محدثة عن إمكانية عودة أنفلونزا 1918 كما عبّر وزير الصحة الأميركي فورست ديفيد ماثيوس (F. David Mathews) عن خوفه من مرض أخطر من جائحة 1918 مؤكدا على استعداد بلاده لمواجهة مليون حالة وفاة بحلول الموسم السنوي للأنفلونزا.
برنامج تلقيح وطني
أملا في التصدي لجائحة محتملة وتجنب سقوط عدد هائل من الضحايا، طالب مدير مركز التحكم في الأمراض والوقاية منها ديفيد سينسر (David Sencer) بوضع خطة لحملة تلقيح وطنية.
ومع عرض برنامج تلقيح وطني قيل إنه سيكلف البلاد نحو 135 مليون دولار وسيجنبها خسائر بالمليارات، وافق الرئيس الأميركي جيرالد فورد على توفير اللقاح للأميركيين حيث لم يكن للأخير أي خيار آخر خاصة مع ترشحه عن الحزب الجمهوري لولاية ثانية بالانتخابات الرئاسية لعام 1976. ففي حال رفضه لمقترح التلقيح، حذّر أغلب الخبراء حينها من إمكانية انهيار شعبيته قبيل أشهر من الانتخابات. وأثناء مؤتمر صحفي حضره عدد من كبار الباحثين الذين ساهموا في ابتكار لقاح لشلل الأطفال من أمثال جوناس سولك وألبرت سابين، أعلن جيرالد فورد رسميا دعمه لبرنامج تلقيح قيل إنه سينقذ الأميركيين.
اتهامات لجيرالد فورد وشركات الأدوية
بالكونغرس، لقي برنامج التلقيح الوطني دعما من الحزبين الجمهوري والديمقراطي حيث تحدّث الجميع حينها عن إمكانية اقتناء 200 مليون جرعة لتوزيعها بشكل مجاني على بقية الولايات ضمن أكبر حملة تلقيح بتاريخ البلاد.
إلى ذلك، ظهرت المصاعب منذ البداية حيث أخطأت إحدى المؤسسات المختصة في الصناعات الصيدلية والبيولوجية فأنتجت أكثر من مليوني جرعة للقاح اعتمادا على سلالة خاطئة من الفيروس وأثناء فترة اختبار اللقاح رفضت مؤسسات التأمين تقديم أية تعويضات لشركات الأدوية في حال ظهور أعراض جانبية على كل من تلقى جرعة منه.
من جهة ثانية، مثّل ديفيد لويس حالة الوفاة الوحيدة بسبب المرض الذي اتجه كثيرون للتشكيك في وجوده. وأمام هذا الوضع، اتهم الرئيس جيرالد فورد بمحاولة دعم شعبيته عن طريق معلومات زائفة كما تحدّث كثيرون عن مؤامرة تقودها شركات الأدوية لتحقيق أرباح خيالية.
45 مليون جرعة
بحلول فصل الصيف، سجلت الولايات المتحدة الأميركية 34 حالة وفاة مريبة بفيلادلفيا عقب حفل أقيم بنزل لإحياء الذكرى ال200 لإعلان الاستقلال. ومع تزايد الشكوك حول وقوف أنفلونزا الخنازير وراء الوفيات بفيلادلفيا، وافق الكونغرس على قرار لتعويض شركات الأدوية في حال ظهور أعراض جانبية للقاح. وقد أدى ذلك لتسريع عملية إنتاج جرعات اللقاح الذي تلقى 45 مليون أميركي جرعة منه.
وقد التقطت عدسات الكاميرا خلال تلك الفترة صورا للرئيس الأميركي جيرالد فورد أثناء تلقيه لجرعة من اللقاح حيث سعى الأخير حينها لزيادة ثقة الأميركيين به عقب تعطيل عدد من الولايات لبرنامج التلقيح بسبب تسجيل بعض حالات الوفيات المريبة.
تراجع الثقة وخسارة فورد
خلال الأشهر التالية، تراجعت ثقة الأميركيين في اللقاح عقب تسجيل عدد من الأعراض الجانبية على العديد ممن حقنوا به. بالتزامن مع ذلك، لم تسجل البلاد أية جائحة لتنهار بذلك التوقعات السابقة التي قدمها المسؤولون بوزارة الصحة. وخلال الانتخابات الرئاسية لعام 1976، فشل جيرالد فورد في الفوز بولاية ثانية وخسر منصبه لصالح جيمي كارتر.