عادة، توكل أغلب الدول اهتماما كبيرا لقدامى المحاربين والجرحى الذين فقدوا أطرافهم دفاعا عن الوطن أثناء فترات الحروب.
وتخصص بعض الدول معاشات تقاعدية لهؤلاء الجرحى، فيما تتجه دول أخرى لمنحهم تعويضات وتوفير رعاية صحية جيدة لهم وتسهيل حركة تنقلهم عن طريق السماح لهم بمجانية استخدام وسائل النقل.
ولكن اختلف المشهد في الاتحاد السوفيتي. فعلى الرغم من مشاركتهم بالعمليات القتالية واستعدادهم للموت من أجل الوطن، تعرض جرحى الحرب الذين فقدوا أطرافهم بالحرب العالمية الثانية لمعاملة سيئة جعلتهم أشبه بالمنبوذين داخل المجتمع السوفيتي.
معاناة بين العشرينيات والثلاثينيات
وقبل الثورة البلشفية، وفرت ماريا فيودوروفنا (Maria Feodorovna)، زوجة الإمبراطور بول الأول، مركزا لرعاية المعوقين والعاجزين بالإمبراطورية الروسية. ومع وفاة ماريا فيودوروفنا يوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر 1828، ألحق هذا المركز بمكتب الإمبراطور الروسي الذي تكفل بنفسه بمهمة الإشراف عليه. إلى ذلك، حملت المؤسسات التي ارتبطت بهذا المركز، الذي أسسته ماريا فيودوروفنا في وقت سابق، على عاتقها مهام عديدة ارتبطت بإدارة دور اليتامى والمراكز المخصصة لفاقدي السمع والبصر والجنود السابقين الذين أصبحوا عاجزين عقب تعرضهم لإصابات حدّت من تحركاتهم.
عقب الثورة البلشفية، وصف فلاديمير لينين الصدقات والتبرعات والمساعدات الإنسانية ببقايا النظام القيصري، وأكد في الآن ذاته رفضه حصول الدولة على التبرعات من الأثرياء. وفي المقابل، أنشأ لينين مفوضية الشعب للشؤون الاجتماعية التي وفرت معونات للمحتاجين.
وطيلة عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، حصل جرحى الجيش الأحمر فقط على المساعدات بينما ظل المعوقون العاديون دون معونات واضطروا لتحمل الظروف الاجتماعية القاسية.
ومع نهاية الحرب الأهلية الروسية، عجّت شوارع المدن السوفيتية باليتامى والمتشردين والمعوقين الذين حاولوا جمع قوت يومهم عن طريق التسول. وبدلا من توفير مساعدة لهم، فضّلت السلطات السوفيتية جمعهم ونقلهم نحو مراكز، مهيأة بشكل سيئ، بعد أن بنيت على عجل بمناطق نائية من البلاد.
أثناء فترة التطهير الكبير الستاليني، نال المعوقون حصتهم من الملاحقات الأمنية والإعدامات. في لينينغراد، أقدم المسؤول الأمني السوفيتي ليونيد زاكوفسكي (Leonid Zakovsky) عام 1937 على إعدام 34 من المصابين بالصمم بتهمة التخابر مع الفاشيين.
وخلال شهر شباط/فبراير 1938، أقدم نفس الشخص على قتل نحو 140 من المصابين بالعمى وأمراض القلب بمشفى سجن موسكو.
جرحى الحرب العالمية الثانية
في الاتحاد السوفيتي ما بعد الحرب العالمية الثانية كان من العادي أن ترى بالطريق أشخاصا فاقدين لأطرافهم السفلى يتنقلون عن طريق وضع أجسادهم على ألواح ثبتت عليها عجلات صغيرة. فخلال تلك الفترة، لم يوفر الاتحاد السوفيتي أعدادا كافية من الكراسي المتحركة لجرحى الحرب. فضلا عن ذلك، عانى هؤلاء المعوقون من مشاكل في التنقل حيث لم توفر لهم أية طرق ملائمة لصعود المدارج واضطروا غالبا للاعتماد على مساعدة المارّين.
وأملا في التخلص من المعوقين الذين خلّفتهم الحرب العالمية الثانية، اتجه الاتحاد السوفيتي خلال الخمسينيات لإقصائهم من المجتمع عن طريق نقلهم نحو مراكز إيواء، افتقرت لأبسط مقومات الحياة، بمناطق نائية من البلاد كان أهمها بجزيرة فالام (Valaam). وفي الأثناء، طلب من المعوقين الذين فضّلوا البقاء مع عائلاتهم الالتزام بعدم مغادرة منازلهم.
من ناحية أخرى، اضطر أولئك الذين فقدوا أطرافهم السفلى للانتظار لمدة سنوات للحصول على كرسي متحرك أو أطراف اصطناعية سوفيتية الصنع بسبب منعهم من استيرادها من الخارج. فضلا عن ذلك، حصل هؤلاء المعوقون على أجور بسيطة كانت دون الحد الأدنى للأجور بالاتحاد السوفيتي.
على مدار عقود، ظل المعوقون جانبا اتجه المسؤولون السوفيت لإخفائه اعتمادا على النفي لمراكز الإيواء والمعاملة السيئة.
وبداية من أواخر السبعينيات، اتجهت ظروف هذه الفئة من السوفيتيين للتحسن. وعام 1988، شارك المعوقون السوفيت لأول مرة في تاريخهم بالألعاب البارالمبية المخصصة لرياضيين حاملين لدرجات إعاقة متفاوتة.