هكذا فرضت فرنسا ضريبة غريبة تسببت في انتشار الأمراض

خلال القرون الماضية، لم تتردد العديد من الدول في فرض ضرائب غريبة على مواطنيها لملئ خزائنها. فعلى غرار القيصر الروسي بطرس الأكبر الذي لجأ لإعتماد ضريبة على اللحية خلال القرن الثامن عشر بهدف التشبه بدول غرب أوروبا، عقب رحلة السفارة الكبرى، وإجبار رعيّته على التخلي عن عدد من العادات القديمة والسلطات البريطانية التي لجأت لفرض ضريبة على القبعات، لم تتردد فرنسا أثناء فترة الثورة في فرض ضريبة غريبة على النوافذ والأبواب لجني مزيد من الأموال خلال فترة عانت أثناءها من حرب طاحنة ضد العديد من القوى الأوروبية.

ضريبة تاريخية بروما وبريطانيا

وتعد ضريبة الأبواب والنوافذ الفرنسية نسخة معاصرة من ضريبة مشابهة فرضها دكتاتور روما يوليوس قيصر، بالقرن الأول قبل الميلاد، على رعيته عرفت بالأوستياريوم (Ostiarium) واقتصرت على إجبار سكان روما على دفع مبالغ مالية مقابل امتلاكهم لأبواب بمنازلهم.

وأمام تدهور الوضع المادي لخزينة فرنسا بسبب الأحداث التي تلت اندلاع الثورة عام 1789 وامتناع كثيرين عن دفع الضرائب، اقترح وزير المالية الفرنسي والنائب عن إقليم أود (l’Aude) دومينيك راميل (Dominique Ramel) فرض ضريبة النوافذ والأبواب على الفرنسيين لإعادة ملئ خزينة البلاد. ولتبرير موقفه أمام المجلس الوطني، أشار هذا الوزير الفرنسي لإعتماد مثل هذه الضريبة تاريخيا معللا موقفه بوجود ضريبة مماثلة ببريطانيا منذ العام 1696 أقرها الملك وليام الثالث (William III) والإمبراطورية الرومانية سابقا.

وإيمانا منها بإمكانية اعتماد هذا الإجراء بشكل وقتي، وافقت الحكومة الفرنسية على اعتماد ضريبة الأبواب والنوافذ ليجد الفرنسيون أنفسهم أمام احدى أغرب الضرائب بالتاريخ.

ضريبة تسببت في أمراض

في الأثناء، اتجه المسؤولون الجبائيون لإحتساب قيمة الضريبة حسب عدد النوافذ والأبواب وحجمها مجبرين بذلك أصحاب العقارات التي امتلكت فتوحات على الشوارع والحدائق على دفع مبالغ مالية هامة. وفي المقابل، استثنت هذه الضريبة البنايات العمومية والحكومية والممتلكات ذات الطابع الفلاحي.

وتماما كما حصل ببريطانيا سابقا، قوبلت ضريبة الأبواب والنوافذ بغضب شديد من المواطنين الفرنسيين الذين تشاءموا من تدهور وضعهم المادي عقب اثقال كاهلهم بضرائب إضافية. وللتقليل من قيمة هذه الضريبة، عمد كثير من الفرنسيين لتقليص عدد فتوحات منازلهم المطلة على الشوارع كما لجأ آخرون للإكتفاء بمنازل وشقق امتلكت بابا واحدا ونافذة واحدة.

إلى ذلك، ساهمت هذه الضريبة في ظهور منازل افتقرت للتهوية الكافية وسرّعت بإنتشار الأمراض والعدوى بين ساكنيها أثناء فترة عانت خلالها أوروبا من انتشار مرض السل. وببريطانيا، أسفرت عملية الترفيع في قيمة هذه الضريبة خلال العام 1820 عن انتشار مرض الكساح، الذي يسببه نقص فيتامين دي، بين الأطفال بسبب تقلص عدد الفتوحات بالمنازل وقلة تعرضهم لأشعة الشمس.

وأثناء توسعهم بأوروبا خلال الحروب النابليونية، لجأ الفرنسيون لفرض هذه الضريبة الغريبة بالمناطق التي احتلوها مثيرين بذلك حالة من القلق والغضب بين الشعوب الرافضة للوجود الفرنسي على أراضيها.

وبدلا من أن تستمر لبضعة سنوات منذ تاريخ إقرارها عام 1798، استمرت ضريبة الأبواب والنوافذ بفرنسا لأكثر من 125 عاما حيث اختفت الأخيرة عام 1926 بفضل ضغوطات مارسها أعوان الصحة لتترك مكانها تدريجيا لضريبة جديدة عرفت بضريبة الدخل.

Original Article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: